د. محمد عبدالله العوين
شنّت بلديات بعض المدن حملة إعدامات بالسم للكلاب؛ حملة أليمة وقاسية ووحشية لا رحمة فيها ولا شفقة.
لقد تألمت حينما رأيت لقطات نشرتها بعض الصحف لكلاب سقيت السم أو بخت به ثم تركت تكابد الآلام والأوجاع أياماً إلى أن تحتضر وتموت، وقد عايشت قبل يومين في أحد أحياء الرياض قصة حزينة مؤلمة لأم وأولادها لم أرها يوماً مؤذية أو مزعجة أو معتدية على أحد أو غير محافظة على نظافة المكان الذي تلجأ إليه، لقد رأيت سكان الحي الجميل ورواده يمارسون رياضة المشي على أرصفته الواسعة الفسيحة ويمرون بتلك الأم اللطيفة الأنيسة الهادئة فلا تهرب منهم أو تشعر بأنهم سيعتدون عليها؛ بل يتوددون إليها وينادونها بما يخطر على بالهم من أسماء؛ فتكوّنت معها علاقة مودة وأنس حتى إنهم حين يفتقدونها يسألون عنها السائق الذي كلّف بالعناية بها وإطعامها والحنو عليه وتعليمها أين تذهب وأين تجيء فلا تعصي له أمراً ولا تتردد في تنفيذ ما يشير به بكلمات سريعة لا يكاد يفهمها إلا هي فتبتعد أو تقترب أو تنام أو تأكل أو تسرع إلى الاختفاء في مكانها المخصص لها بجانب المنزل.
لقد رأيتها ذات يوم تركض مسرعة في الشارع محاذية الرصيف بذكاء شديد مبتعدة عن خطر التعرّض للسيارات؛ فعجبت من سرعة انطلاقتها فجأة؛ لكن تبيّن لي أنها رأت سيارة السائق مقبلة وقد ألفته وألفها وتأكدت صلتهما فما أكبر وفاءها له واشتياقها إليه حين أقبل، استقبلته من بعيد بسرعة موازية لسرعة سيارته وبذيل يهش ووجه يبش حتى وقف عند باب منزل سيده ثم انكبت على قدميه وكأنها تقبلهما وأخذت تلتصق به وتحاذيه في سيره إلى أن دخل باب غرفته فوقفت أمام الباب تمارس دور الحراسة انتظاراً لخروج صاحبها الذي ألفته.
وأنجبت سبعة جراء صغيرة فاختفت عن ناظرينا، لم أعلم بالخبر السعيد إلا حين غابت أياماً؛ فسألت السائق ما سر غياب الحارسة الأمينة وأين ذهبت؟ فأطلعنا على مكانها الذي تحتضن فيه صغارها وتمثّل المشهد المؤثِّر بحنان الأم ورأفتها وخوفها على صغارها من الغرباء؛ فما أعظم السر الذي أودعه الله في قلوب الأمهات.
ومررت أمس بذات الحي أمارس رياضة المشي كالعادة في الأوقات المناسبة التي تعودت فيها أن أسير على الرصيف الطويل مع صديق عزيز أتبادل معه الأحاديث في قضايا العالم فنحلّل كل صغيرة وكبيرة بدءاً باليمن وسوريا وليس انتهاءً بأمريكا وروسيا ونتلهى عن طول المسافة وتكرار العودة إلى النقطة التي بدأنا منها؛ ولكن الخبر المزعج الذي وقع علي وعلى صديقي كالصاعقة أن السائق أخبرنا بما ارتكبه عمال البلدية من وحشية؛ فقد أتوا على حين غرة وقتلوا الأم وصغارها الستة بالسم، وتمكَّن أحد الصغار من الفرار فاختبأ ولم يعرفوا مكانه.
انتهت قصة أسرة حزينة تابعناها منذ كانت الأم صغيرة شابة إلى أن نضجت وكبرت وأنجبت وعشنا معها نحن رواد رصيف المشي سنة كاملة كانت الباشة الهاشة المحيية الأنيسة؛ فما الذنب الذي اقترفته كي تتركب في حقها وحق صغارها هذه الجريمة الوحشية المروّعة؟!