د. حمزة السالم
الدَّيْن معنى شامل في دلالته اللغوية، ويتلبس بمعنى اللفظ الخاص بملابسة دلالة حاله (كقرض وسلف وتقسيط ومعروف). فالدَّيْن يُدخل كل معنى يدل على ما في الذمة للغير تحت معناه، حتى المعروف والوفاء بالعهود والوعود. (ومعنى ما في الذمة للغير: أي ما للآخرين من حق لشخص على آخر لم يوفه). ولهذا، فالمُثمن المُؤجل هو دين في بيع السلم. والعارية والقرض دَيْن كذلك. والثمن المُتبقي في الذمة ولم يُسدد، من بيع تقسيط أو بيع أجل هو ديْن كذلك. وقيام الجندي بخفارة ساعة عن زميله، قد تكون منحة أو هدية، أوقد تكون دَيّْنا كذلك. فساعة الخفارة لها قيمة وثمن يكون معروفا بين العسكر. فإن كانت دينا فالعوض هو لازم من كون الشيء دينا.
وديْن خفارة الساعة هذه، قد يكون في معناه الفقهي، قرضا أو عارية أو سلما أو بيع أجل أو تقسيط، تماما كما لو كانت الخفارة سلعة أو نقدا. فكل ما يتعلق بالذمة من مُستحقات للأخرين تتطلب عوضها، ولم تؤدى فهي دَّيْن.
وبما أن الزمن إذا داخل المعاملة التبادلية جعلها دينا، فالزمن إذاً، هو السبب المُسببُ للدين. وللزمن قيمة في ذاته عند الانسان،غالبا، تزيد قيمته وتنقص بمقدار زيادة عقله ونقصانه. كما تعظم قيمة الزمن في الانسان وتصغر، حسب إنتاجيته ونفعه لقومه. « أيموت مثل أبي شجاع فاتك ويعيش حاسده الخصي الأوكع».
فالزمن كذلك، له قيمة في ذاته في حال اختلاطه بالأموال، وله قيمة مكتسبة من المال الذي يخالطه. كالإنسان، فتُقيم قيمة زمن المال بمقدرة المال على الإنتاجية بذاته أو بغيره. تماما، كما تُقيم حياة الإنسان بانجازاته ضمن ظروفه المحيطة به. وذكري لعبارة “ظروفه المحيطة به” يقودنا إلى أن هناك متعلقات تتعلق بقيمة الزمن، فتزيد من قيمة الزمن أو تخفضها.فالمخاطرة في حدوث المتغيرات التي قد يأتي بها طول الزمن، من هي متعلقات الزمن. فعلى هذا فللزمن ثلاث قيم:، قيمة في ذاته، وقيمة في متعلقاتة ، وقيمة من المال المخالط له.
والقيمة في المال غير مقيدة بشرط، ذلك لأن النفع والاستفادة المتكررة للمال شرط لازم لكون الشيء مالا، سلعة كان أم نقدا. وعدم الشرط عدم للمشروط، فلا يُعد مالا ما لا يُنتفع منه، معنويا او حسيا. والزمان لا يغادر الا ميتا أو طللا.
وإن كان الزمن سبب الدَّيْن، فإن التجارة هي أداة التنفيذ الذي يتحقق به الدين. وأصدق مثال على تجارة الزمن تجارة البنوك. وهناك فرق بين التجارة في الشيء و التجارة بالشيء مؤقر في قيمة الزمن،ولكن، لا يتسع المقام له هنا، ويأتي بعد ذلك في تقييم الزمن: مدى تحمل المال من عدمه، للزمن وجلده على مروره به. فكلما زاد الزمان تسلطا على المال بالإهلاك والإفساد غلت قيمة الزمن في ذلك المال. أفلا ترى لوعة الاب والام على موت صغيرهما، وتعجب من تجلدهما لموت والديهما. فيا ترى مما تعجب أبو الطيب حين قال «تُسوّد الشمس منّا بيض أوجهنا... ولا تسوّد بيض العذر واللمم، وكان حالهما في الحكم واحدة.... لو احتكمنا من الدنيا إلى حكم»».