د.عبدالله مناع
يبدو أن (الحوثيين) لم يعقلوا.. ولا يريدون أن يعقلوا، ويتفهموا قيمة الجهود الأممية التي بذلتها وتبذلها (الأمم المتحدة) عبر مبعوثيها السابقين واللاحقين وآخرهم مبعوثها الأممي البريطاني الجديد: المستر مارتن جريفيث، وعبر مبعوثة الاتحاد الأوروبي لـ(اليمن): السيدة انطونيا كالفو بيورتا.. لإنهاء (الأزمة اليمنية).. أو حرب اغتصاب اليمن التي أشعلها (الحوثيون) في شهر سبتمبر من عام 2014م.. بعد أن أرغموا الرئيس عبدربه منصور هادي.. على التوقيع معهم على ما أسموه بـ(اتفاق السلم والشراكة). فبعد الزيارة الأولى التي قام بها (جريفيث) لـ(اليمن)، و(التعهدات) التي أطلقها من جانبه.. بـ(العمل الجاد لتسير العملية السياسية على أساس: (المبادرة الخليجية) و(مخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل) و(قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216)، ولم يجب عليها (الحوثيون) بـ(القبول) أو (الرفض)، وبعد التصريحات التشجيعية التي أدلت بها مبعوثة الاتحاد الأوروبي لـ (اليمن): السيدة بيورتا.. وجاء فيها: (إن الاتحاد الأوروبي.. رصد مبلغاً إضافياً هذا العام لـ (اليمن).. مقداره واحد وسبعون مليون يورو لاستثماره في مشاريع لصالح (النازحين) اليمنيين، ولتعزيز حقوق الإنسان، ودعم المجتمعات الريفية اليمنية).. جاءت أخبار بيضاء من (يمن الشرعية) على لسان رئيس الحكومة اليمنية: الدكتور أحمد بن دغر.. بـ (أن المملكة أعادت تأهيل ميناء «عدن» بالرافعات والمعدات المختلفة لاستقبال السفن وتفريغها وتخزين بضائعها)، بل وصرح الدكتور بن دغر فيما بعد زيارته لـ «عدن» سعيداً.. مبتهجاً: بـ(أن شمس الحرية ستشرق مجدداً على «تعز»، وواجهة وحدتنا الوطنية ستشرق على كل ربوع اليمن)..؟!
فـ كان أمام هذه الأخبار السعيدة والمطمئنة.. التي توحي بسير الحرب إلى نهايتها.. أو توحي – على الأقل - بقرب نهاية هذا النزاع الذي أضر بكل صغيرة وكبيرة في اليمن: (خبر الأخبار) السيئة السوداء: خبر مقتل مسؤول أممي كبير على يد الميليشيات (الحوثية) هو: السيد (حنا لحود)، الذي يعمل في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في محافظة تعز.. التي تقع بكاملها -حتى اليوم- في قبضة الحوثيين..
وقد اغتيل السيد لحود.. لا لأنه اعتدى على أحد (الحوثيين).. أو حتى على أحد اليمنيين.. إذ إن طبيعة مهمته الطبية لا تتيح له حمل السلاح فضلاً عن استخدامه، ولكنها (رسالة) أراد الحوثيون إيصالها للمبعوث الأممي لـ (اليمن) المستر جريفيث.. بأنهم لا يرغبون فيه، ولا في مهمته.. بل ويتمنون لو أنه لم يأت أصلاً إلى (اليمن) لا هو ولا سابقيه من المبعوثين الأمميين إن كان (بن عمر) أو (ولد الشيخ أحمد)، وأنه إذا سقط اليوم (حنا لحود).. فما المانع أن تكون أنت شخصياً (هدفنا) التالي..؟!
* * *
إن مشكلة الحوثيين تكمن في تخلفهم، وفقرهم المعرفي، وفي بداوتهم السياسية!! فقد عاشوا فوق رؤوس جبال صعدا مئات السنين.. فلم يعرفوا حضارة «صنعاء»، أو ثقافة «عدن» أو تعددية «الحديدة».. ولذلك لم يرق أحد منهم إلى المناصب الرفيعة في دولة الوحدة السابقة، وكان منتهى آمال المتفوقين منهم.. أن يصبح مديراً لـ(مدرسة ابتدائية).. أو مديراً لـ«مخفر» من مخافر الشرطة، أو مركزاً من مراكز (البريد)، وقد انكشف حال تخلفهم السياسي بصورة فاضحة مضحكة في (لجنة صعدا) نفسها.. وهى إحدى اللجان التسع التي تم انتخابها لدراسة القضايا اليمنية التي كانت محل وجهات نظر متعددة بين اليمنيين في لجنة الحوار الوطني اليمني الشامل كـ (لجنة قضية الجنوب) أو (لجنة ماهية الدولة) أو (لجنة استقلالية السلطات).. إلى آخر تلك اللجان التسع، لترفض لجنة صعدا مبدئياً السيدة (نبيلة الزبير) لرئاستها.. لأن (الرئاسة) لا تعقد – من وجهة النظر الحوثية - لـ(امرأة)..!؟ إلى أن تم الاتفاق على حسم المسألة ديموقراطياً.. بأوراق وأسماء وانتخابات سرية، لتفوز (السيدة الزبير) برئاسة اللجنة.. لتطرح اللجنة بعد ذلك داخل بنية الحوار.. مطلب: (حق تقرير المصير) لـ (صعدا)!؟ وهو حق تطالب به –عادة- الدول المستعمرة: بين أن تبقى تحت الاستعمار أو تحصل على استقلالها..؟ ولم تكن صعدا دولة أو مستعمرة.. حتى تطالب بـ (حق تقرير المصير)!!.. ولكنها محافظة من محافظات اليمن.. إلا أن الجهل والتخلف المعرفي والبداوة السياسية.. هى التي جعلتهم يفكرون في (حق تقرير المصير) كـ (مطلب) من مطالب (لجنة صعدا).. ليظهروا أمام العالم بأنهم يفهمون في (السياسة)!! إلى أن جاءتهم المصادفة السياسية برفع الدعم الحكومي عن أسعار المشتقات النفطية فخرجوا بـ(نصيحة أجنبية): إيرانية.. في الغالب.. في مظاهرة تطالب بعودة الدعم رحمة بـ(فقراء) اليمنيين الذين يشكلون الأغلبية الكاسحة، ومنها انطلقوا إلى (صنعاء)، ليتحالف معهم –عدوهم القديم– الرئيس السابق على عبدالله صالح، ويمدهم بالأموال والسلاح.. ليتم احتلال شوارع وميادين صنعاء.. قبل القفز للاستيلاء -بتلك الأموال وذلك السلاح- على كل موجودات (صنعاء) من الوزارات والمصالح والبنوك والإدارات الحكومية.. إلى أن اغتال (الحوثيون) حليفهم المرحلي علي عبدالله صالح.. فاعتقدوا أن (الأمر) قد صفا لهم بعد اغتياله.. فأرسلوا برسالة اغتيال (حنا لحود) إلى المبعوث اأممي الجديد (مارتن جريفيث)، ولكن تخلفهم، وضمور معارفهم السياسية.. أوقعهم -كما يقولون- في شر أعمالهم .. ربما.. إلى حد حرمانهم حتى من المشاركة السياسية في حكم اليمن.. عندما يحل السلام؟! وليس في حكمه منفردين..؟!
* * *
فـ(المبعوث) الأممي: المستر جريفيث.. لن يجد أمام رسالة اغتيال (حنا لحود) التي بعثها إليه (الحوثيون).. إلا اللجوء لما يتيحه له (الفصل السابع) الذي صدر تحته قرار مجلس الأمن رقم (2216)، وهو ما يعني أن أمامه أن يطلب من مجلس الأمن تشكيل قوة من المراقبين الأمميين -للعمل تحت إمرته- لتقوم بدور الاستلام والتسليم من (الحوثيين) إلى حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي الشرعية، أو أن يطلب من مجلس الأمن.. إيفاد قوة (حفظ سلام) دولية إلى اليمن، تتمركز في داخل مدنه وموانئه.. لتتولى حفظ الأمن والاستلام من الحوثيين وتسليم (الشرعية).. وتطبيق بقية ما جاء في القرار (2216) على أرض الواقع اليمني، وهما (أمران) لا يريدانهما ولا يطيقانهما الحوثيون، فهم لا يريدون طرفاً (ثالثاً) على أرض النزاع اليمنية.. بل يريدون أن يكونوا هم وحدهم حتى يفعلوا ما يشاؤون دون معارضة أو حسيب أو رقيب!!
وعلى المندوب الأممي: المستر جريفيث.. الذي لا تنقصه خبرة أو معرفة، أن يكون حازماً.. وأن يكون جاداً.. في تطليق القرار الأممي (2216)، الذي بدونه لن يتحقق (سلام).. ولن تعود (الشرعية) إلى مستقرها فى «صنعاء».. ولن تقوم في النهاية: دولة الوحدة الاتحادية.. بـ(أقاليمها) الست..!
لقد عجلت (رسالة) اغتيال (حنا لحود).. بـ(نهايتهم) دون شك..!!