د.ثريا العريض
نحن فعلاً محظوظون بقيادة واضحة الرؤية، مؤمنة بقدرتها على إحداث التحول، وقدرتنا على تنفيذ متطلباته؛ قيادة مثقفة واعية ترى ما يثقل حركة الوطن ويعيق تقدمه لنصل إلى ما نحلم به من فرص النجاح والتقدم، سواء كأفراد أو كدولة، وترى بوضوح ما يجب التخلص منه قبل أن نجد أنفسنا نجابه مستقبلاً لن يرضينا. وكمتخصصة أرى بوضوح أن تحديات التنمية الشاملة واستراتيجياتها وخططها ومشاريعها، هي أهم أسئلة تواجه أي دولة ومجتمع في أي زمن. في زمن النهضة والتقدم المعرفي تنجح مشاريع وخطط التنمية، وفي زمن ظلمة الوعي والتراجع العلمي تتعثر. وبتكرار التعثر تتراجع الحضارة بكل مؤشراتها الاقتصادية والثقافية والعلمية ويعود البشر إلى اليأس والإحباط.
في الحقيقة ما تحاول برامج التحول تحقيقه ليس سهلاً. وما نجحت في تحقيقه يستحق الإعجاب والاحترام ويدعو للتفاؤل. ومع هذا ما زال هناك خلاف حول تحديد الأولويات وتشكيك ومعارضة وتخاذل.
والتنمية تصبح شائكة المتطلبات حين تختلف وتتناقض مرئيات الفئات المجتمعية والمختصين وصناع القرار حول ما هو الأفضل؟ وأين توضع الأولويات؟
وحين نواجه اليوم أوضاعنا وتفاصيلها بالتأمل والرصد والتحليل نجد مفارقات وأزمات تعوقنا عن مواجهة تحديات التنمية بالفعالية المطلوبة. ومن أهمها ضعف التدريب المهني والإعداد النفسي والقيمي، وتقبل تعطيل المواطنة والمواطن عن العمل في أي موقع عام تحت تبريرات تخوفات واحتمالات واهية. وما زلنا مبرمجون نفكر بأسلوب ردود الفعل لحل الأزمات بعد وقوعها أو على الأقل احتوائها مظهرياً؛ وليس بمنطلق المبادرة والتخطيط أي توقعها مسبقاً وإيقافها قبل حدوثها. وربما لم يكن لنا خيار في تفاقم الاختلال المجتمعي وانعدام التوازن وفقدان الاعتدال في مرحلة العقود التي مرت منذ نهاية السبعينيات، ولكن الواضح الآن وقد اتضحت نتائجها الوخيمة، أنه لا بد من مجابهة النتائج وتنظيف الساحة واستعادة روح التفاؤل والهمة والبدء في العمل الجماعي لردم الفجوة والقفز لتعويض الزمن الضائع.
التحول على كل الجبهات بنفس الوقت مطلب طموح ليس سهلاً.
جميل أن نرى التحول في الجو العام يعيد الابتسام إلى الوجوه والبهجة للشعور، ثم يؤلمنا أن بعض شبابنا وشاباتنا ما زالوا محبطين، فبعض مرئيات ومتقبلات مجتمعنا لا تواكب طموح التحول، وبعض مسؤولينا بالكاد يستطيعون مجابهة كل التأزمات المتداخلة والمترابطة الجذور والتفرعات لمشكلة مركبة: التحديث والبطالة ومجالات العمل والاستقدام، ما يحدث فيها وما ينتج عنها.
البعض يرى برامج الترفيه وتمكين المرأة أقل أهمية وأولوية من زيادة الدعم المادي من الحكومة كما اعتاد، ويعجز أن يرى كيف تفاقم تسرب المال من دورة الاقتصاد الوطني بسبب انعدام الترفيه محلياً، وجشع المتنفذين والقطاع الخاص وتحويلات العمالة، والترفع عن العمل في بعض المجالات، ومعوقات عمل المرأة.
باختصار؛ كمجتمع مؤسساتي يمتلك قدرة مادية افتراضية عالية ويحاول مواكبة إنجازات المجتمعات المتقدمة نعاني أخطاء استراتيجية معظمها متعلقة بمعتاداتنا: ما زلنا نؤمن أن العمل اليدوي لا يليق بنا ولا بأبنائنا وبناتنا، بل ما زال البعض الأشد غلواً يرى الأفضل ألا تعمل البنات. وعلينا أن نكسر هذا الرأي الذي يقيد خيارات أبنائنا وبناتنا.
هنا أقترح على مؤسساتنا التعليمية من مرحلة ما بعد الابتدائية العامة أن تدخل كعامل دعم للتطور المطلوب محتمعياً، بالتعاون مع صناع القرار الاقتصادي: نحتاج أن يشمل التعليم في المعاهد والكليات والجامعات مسارات وتفرعات جديدة تؤهل الطلاب للدخول في المجال الصناعي والتقني والخدمي. حتى وقت قريب ركزنا كثيراً على المناهج التنظيرية والتدريب للوظائف المكتبية، وأهملنا متطلبات وضرورات العمل اللا مكتبي كالتصميم والتشغيل والصيانة وإدارة المنشآت. جميل أن تفتح فرص للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. والأجمل أن يكون فيها بذرة لتجذير الصناعة والصيانة كمجال للعمل لشبابنا وشاباتنا وتدريبهم للإضافة الذاتية مستقبلاً. ولا بد من دعم الابتكار وتحديث التقنية.
أفق الرؤية ممتد ورحب وسنرى مجالات النجاح تفتح على مصراعيها.