عبدالعزيز السماري
على طريقة وجدتها وجدتها اكتشف كم جونج أون رئيس كوريا الشمالية أن طريق الاستقرار والخلاص من التهديد الخارجي يبدأ أولاً من باب التصالح مع الجار الصديق والشقيق التاريخي كوريا الجنوبية، فالتدخل الخارجي يدخل من أوسع الأبواب عندما يتخاصم الأشقاء، وتختزل هذه الجملة تاريخ الجزيرة الكورية، فقد كانت مسرحاً للأطماع الاستعمارية بسبب الأطماع الشخصية وسياسة الأهواء بين أفراد العائلة الواحدة..
كانت تلك اللحظة التاريخية بين الزعيمين بمثابة الحل السحري لإيقاف الأطماع الخارجية في ثروات وأراضي الكوريين، فقد تنبهوا بعد ستين عاماً من الانشقاق أن مصيرهم واحد مهما اختلفت مذاهبهم وأيدولوجياتهم وأعراقهم، فكان الحل المنتظر الذي سيعود بالنفع أولاً على الشعب الكوري وعلى الجزيرة الكورية..
كأنهم في تلك اللحظة اطلعوا على الحكمة العربية الشهيرة: كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى،،، خطب ولا تتفرقوا آحادا، تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً،،، وإذا افترقن تكسرت أفرادا، وكما قيل الحكمة ضالة المؤمن، والعرب والمسلمون أكثر أمة قالت في الحكمة، لكنهم دوما ما يضلون عنها، وكادوا في تاريخهم الحديث أن ينالوا عن جدارة مرتبة الذين يقولون ما لا يفعلون، فتاريخهم الحديث اخترقته الأطماع الغربية والشرقية من مختلف الجهات بسب انشقاقتهم ومؤامراتهم ضد بعضهم البعض..
في ثنايا هذه اللحظة التاريخية بين الزعيمين برزت أيضاً تلك الصورة البشعة في النزاع المعلن بين الشرق العربي وإيران، وسباق التدخلات الخارجية والتسلح الطائفي الذي تغذيه كراهية وأحقاد سوداء، كان نتيجتها اشتعال الحروب الجانبية بين الحدود العربية بعد دخول المرجعية الدينية في إيران ممولاً رئيسي للحرب ضد الظالمين، الذي هم نحن، والتي أشعلتها الأحقاد والكراهية في تاريخ الشرق منذ مقتل الحسين بن علي رحمه الله..
لأسباب غريبة تعتقد مرجعية الكراهية الطائفية في إيران أن غالبية المسلمين يحملون وزر دم الحسين في كربلاء، وعليهم دفعه دماً وحروباً لا تتوقف، وذلك من أجل أن يعود الحق لصاحبه..، وما يحدث أشبه بتراجيديا رعب تديرها شياطين الشر في حروب الظلام، فقد تم اغتيال العراق وسوريا واليمن من أجل الثأر لمقتل الحسين بن علي قبل أربعة عشر قرنًا، والحروب مستمرة لإشعال المنطقة في سباق خطير للتسلح، ولمزيد من الدماء من أجل الثأر المزعوم..
عند متابعة أدبيات وثقافة اللطميات عن مقتل حسين بن علي رحمه الله أشعر بالشفقة على هذه الأمة التي اختارت أن تتوارث مشاعر الظلم والحزن والثأر أباً عن جد، وأن تدرسه للأطفال جيلاً بعد جيل، وأن تغرس في عقول النشء الأحقاد والبغضاء، وأن الجار أو ابن العم يحمل وزر مقتل الحسين إلى يوم الدين، وعليه أن يدفع ثمنه مهما طال أمد الحروب..
في الجزيرة الكورية لم يكن الدين أو الأحقاد الطائفية مصدراً لصراعهم المزمن، لكنها السياسة قاتلها الله، والاستبداد في مواجهة الحرية، فهم يؤمنون أن الكونفوشوسية مذهب أخلاقي، لكن أزمة المسلمين أن التاريخ بكل تفاصيله وحروبه تحول إلى دين شديد الكراهية للآخر، ومشبع بالأحقاد والبغض تجاه الشقيق والأخ المخالف..
ربما يأتي يوماً ما في المستقبل تبرز فيه ساعة الحكمة على طريقة وجدتها، وسنتوقف حينها بلا رجعة عن توارث الدجل والتجهيل والكراهية، وقد نكتشف متأخرين جداً بعد الخراب الكبير كم كنا أغبياء وسذج في إهدار ثروات الأوطان في شراء الأسلحة، وفي تأجيج الكراهية، وفي إشعال الحروب الجانبية، وفي التآمر ضد الأشقاء خلف حدود الدم والقربى..
ختاماً لا يمكن لأمة أن تنهض أو تستقر على مشاعر الحقد والضغينة والبغضاء... قال الشاعر العربي عنترة بن شداد: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب،،، ولا ينال العلى من طبعه الغضب.