د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، بخصوص دول الخليج، وأنها دول ثرية، ويجب أن تساهم في دفع تكلفة العمليات، التي تقوم بها أمريكا في الشرق الأوسط، وهي تصريحات تبدو، من أول وهلة، أنها تدخل في باب الابتزاز، الذي يعتبر جزءاً من الشخصية النرجسية، كما ذكرنا في المقال الماضي، ولكن قبل أن نجزم بذلك، علينا أن نتذكر أن ترمب فاز برئاسة أمريكا، عن طريق جمهوره الضخم، والمخلص من المحافظين، وهم قد صوّتوا له، بعدما يئسوا من الساسة التقليديين، الذين يدعمهم الحزب، سواء الجمهوري، كما في حالة الرئيس، جورج بوش الابن، أو الديمقراطي، كما في حالة الرئيس، باراك أوباما، ويسيرون بالتالي حسب رغبة وتوجهات الحزب، والرئيس ترمب ليس من صنف هؤلاء الساسة، فحزبه الجمهوري لم يدعمه، إلا بعد أن تيقن أنه يملك الشعبية الأكبر، بين المرشحين الجمهوريين.
ما يتحدث عنه ترمب هذه الأيام، بخصوص دول الخليج، ليس سراً، فالدول الحليفة لأمريكا، تساهم في دعم تكاليف عملياتها، إذا كان ذلك في مصلحتها، وهذا ما حدث في حرب تحرير الكويت، وفي غيرها من العمليات العسكرية، وليس هذا محصوراً بدول الخليج، فدول عظمى، مثل ألمانيا واليابان، تتكفّل بدعم المجهود العسكري الأمريكي، ودفع فواتير ذلك كاملة، وكذا تفعل كوريا الجنوبية، وغيرها من الدول الحليفة لأقوى قوى الأرض، وهذا يعني أن تصريحات ترمب بخصوص دول الخليج ليست سراً، ولا أمراً معيباً، ولكنها تفتقد للحصافة والكياسة الدبلوماسية، وإذا افترضنا أنها كذلك، فلماذا إذا يكررها ترمب في كل مناسبة؟! والإجابة على ذلك، تتطلب العودة إلى تصريحات ترمب النارية، أثناء ترشحه للرئاسة، وهي التصريحات، التي حشدت المحافظين خلفه، وأوصلته إلى البيت الأبيض، وتلك التصريحات، لم تكن عن دول الخليج الثرية فقط، بل كانت ضد حلف الناتو، وضد حلفاء أمريكا الأوروبيين، وضد المسلمين، فما الهدف منها، منذ ذلك الوقت، وحتى اليوم؟!
إستراتيجية ترمب، التي كان وراءها مستشاره الداهية، الذي عزل لاحقاً، ستيفن بانون، وأوصلته للبيت الأبيض، كانت ضد العولمة، وبالتالي ضد الإنفاق الأمريكي خارجياً، فالمحافظون من الشعب الأمريكي، يؤمنون بأن ساسة أمريكا التقليديين، يعملون في خدمة اللوبيات المتنفذة، ويتجاهلون الداخل الأمريكي، وقد لعب ترمب على هذا الوتر، فوقف ضد العولمة، ونادى بعودة القومية الأمريكية، وهذه اللغة تدغدغ مشاعر المحافظين، الذين قلبوا ظهر المجن لساسة جمهوريين كبار، مثل جون مكين، وجيب بوش، وتيد كروز، وساروا في ركاب ترمب، القومي الأمريكي، الذي تهمه مصلحة أمريكا وشعبها فقط، وبالتالي فتصريحات ترمب عن دول الخليج الثرية، تشبه حديثه عن اتفاقية المناخ، التي انسحب منها، وتصريحاته عن حلف الناتو، الذي يطالبه ترمب، كما طالب دول الخليج، بدفع المزيد من المال! والخلاصة هي أن تصريحات ترمب، بخصوص دول الخليج، قد تكون موجهة لجمهوره المحافظ، في الداخل الأمريكي، ليثبت لهم أنه ينفذ وعوده الانتخابية، أكثر مما هي موجهة لدول الخليج، والعبرة، في نهاية المطاف، للأفعال لا للأقوال!