د.فوزية أبو خالد
تقود د. سامية عامودي حملة أهلية حقوقية مهمة في مجال التوعية الصحية بحقوق المواطن الصحية عامة وحقوق المواطنة على وجه التخصيص ولكن ليس على سبيل الحصر. والحقوق الصحية مثلها مثل كافة حقوق المواطنة الأساسية المنظمة دستورياً في المجتمعات المعاصرة سواء جاءت مستضيئة بروح الشرائع السماوية ومشتقة من نصوصها أو جاءت مستمدة من منظومة ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لا بد أن تتأسس على مبدأ المساواة فيها ومبدأ التمكين منها ومبدأ التقنين لها.
ومن الجميل أن د. سامية العامودي وزملاءها بالتعاضد مع الهيئة السعودية للتخصصات الطبية في مبادرة الهيئة المطروحة باسم (تحمينا نحميك) التي يتزامن انطلاقها رسمياً مع موعد نشر هذا المقال مطلع شهر تموز مايو قد وسعوا من الرؤية المحدودة للحقوق في المجال الطبي، فلم تقتصر كما جرت العادة على حقوق المرضى، بل تصدت لتلك الحقوق المسكوت عنها وهي حقوق الأطباء وحقوق الكادر الطبي بمختلف مواقعهم العلاجية وبتعدد مسمياتهم الطبية على سلم الوظائف الصحية من طبيب متدرب لطبيب استشاري ومن ممرضة وممرض للأعمال الطبية المساندة مختص مختبرات، أشعة، تثقيف صحي أخصائي اجتماعي إخصائي نفسي الخ. والحقيقة أن حقوق الكادر الطبي من الحقوق التي كثيراً ما ضاعت أو ضيعت لعدة أسباب سيسيولوجية وقانونية ومنها على سبيل المثال التالي:
1- تضييع حقوق الكوادر الطبية بحسن نية, حيث هناك من يظن أن حفظ تلك الحقوق هو تحصيل حاصل باعتبار أن الطواقم الطبية من الفئة المحظوظة التي تحظى بحصانة مفروغ منها مستمدة من طبيعة الخدمة الإنسانية الجليلة التي يقدمونها لأوطانهم. ومع أن نظام الحكم الأساسي بالمملكة ينص في المادة رقم سبعة وأربعين على حق الطواقم الطبية في المقاضاة عند تعرضها لأي انتهاك بحسب د. حمد بن محمد الرزين وكان نائباً لرئيس الجمعية العلمية القضائية السعودية ورئيسا للهيئة الصحية الشرعية, الا أن ذلك بطبيعة الحال لا يشكل حصانة كافية استباقية كما يفترض لكل من تسول له نفسه التعرض لطبيب مقيم، طبيب طوارئ، جراح، ممرض أو أي فرد من أفراد العمل الصحي.
2- تضييع حقوق الكوادر الطبية بجهل حيث لا يقرأ المريض أو ذووه التعليمات الطبية أو الإقرارات ما قبل العمليات خاصة, ولذا فإنهم ينحون بالملامات على الطبيب أو أي من الكوادر الطبية ذات العلاقة في أي آثار جانبية أو تعقيدات قد تحدث لا سمح الله، وقد يخلطون بين هذه التعقيدات وبين الأخطاء الطبية نتيجة هذا الجهل. وقد يتسببون جراء ذلك ومهما جرى من التوضيح والشرح لهم ما قبل وما بعد بالأدلة القاطعة في أذى نفسي بليغ للمعنين من الطواقم الطبية دون ذنب لهم، بل رغم ما بذلوه من وقت وجهد.
3- تضييع حقوق الكوادر الطبية بسوء أخلاق من البعض في بعض الأحيان وبعصبية جاهلية في أحيان أخرى من بعض آخر.
وفي ظل طغيان الحس القبلي والمناطقي والطائفي على حس الانتماء الوطني نجد هناك من يتعالى على الكوادر الطبية من الأطباء إلى الطواقم العلاجية المساعدة، وقد يأخذ هذا التعالي منحنى حاداً في ظل غياب ثقافة المساواة وخاصة المساواة والعدل بين النساء والرجال وفي ظل غياب ثقافة المساواة في حقوق المواطنة وغياب الحصانة القانونية للعاملين في المجال الصحي.
فتكون هناك شوفانية أو تعاليا يصل حد جرح الكرامة والأذى الجسدي. وقد حدث في حالة موثقة أن مواطناً قام بالبصق على طبيبة لأنها بشرته ببنت بعد قيامها بتوليد زوجته. عدا عن اعتداءات قاتلة أو مهددة للحياة تداولتها وسائل الاتصال لأكثر من مرة في اعتداء مرضى أو أحد من ذويهم على واحد أو أكثر ممن خدموهم علاجياً بكل أمانة.
وهذه أمثلة على خروقات غير أخلاقية وانتهاكات إجرامية حدثت وقد تتكرر لا قدر الله ما لم يجر وضع قوانين استباقية صارمة تنص على إنزال عقوبات أليمة مع غرامة مالية كبيرة على كل من يتجرأ بالتعدي باللسان أو اليد على أي من العاملين في المجال الطبي.
4- تضييع حقوق الكوادر الطبية بسوء الظن وعدم التحري، حيث تقع هذه الفئة المتفانية من الطواقم الصحية العاملة تحت طائلة تلك النظرة الضيقة الظالمة من البعض التي ترى في تلك القوى العاملة خصماً بدل أن تقدر عملهم الإنساني العظيم وإخلاصهم فيه، ويزيد الطين بلة أن يستخف الإعلام والصحافة بالطواقم الطبية وبالأطباء فيكيل البعض وبهدف الإثارة الصحفية اتهامات غير مؤكدة تصل حد الافتراء على الأطباء والممرضات بتجاوزات طبية هم منها براء لمجرد أنهم استمعوا لمريض مأزوم أو عائلة متوترة دون الاستماع للطرف الآخر.
إذن نحن اليوم نعيش واقعاً مشحوناً بالتحولات التي على رأس مطالبها ومواجهاتها تكريس دولة الدستور والحقوق والقانون وتقليص إن لم يكن وضع حد نهائي لكل أشكال السطوات التقليدية التي كانت تستخدم ذراعها أو أذرعة مواليها في تصفية الحسابات ليحل محلها تماماً الاحتكام للقانون في حماية الحقوق وفي حماية المركز القانوني لكل مواطن بقوة القانون.
والحقيقة أننا لا نحتاج لإعادة اختراع العجلة فهذا هو المعمول به في كل الدول الوطنية المعاصرة. فعندما تركب عربة أجرة على سبيل المثال في نيويورك أو واشنطن دي سي ستلحظ لوحة فسفورية مكتوب عليها بخط عريض لا لبس فيه عقوبة السجن لخمسة عشر عاماً على من يهين سائق التاكسي ويتعدى عليه باللفظ أو اليد مع غرامة مالية كبيرة. ونفس الشيء في المستشفيات. فكم يلفت نظري كلما دخلت مستشفى كورنيل على جادة يورك وشارع 68 بشرق منهاتن بنيويورك ذلك التحذير القانوني البارز تجاه أي محاولة تعرض للعاملين بالمستشفى.
وهذا يعني أن جميع أصحاب المهن وليس العسكريين والدبلوماسين فقط يتمتعون كمواطنين نساءً ورجالاً بحصانة قانونية في مختلف مواقعهم الوظيفية من المعلم إلى الصيدلاني.
وهذا ما تهدف إليه على ما يبدو من الجهد المبذول في التوعية عبر عدة قنوات ومعابر ميدانية حملة تحمينا نحميك بمبادرة الهيئة السعودية للتخصصات الطبية وبعلميها د. سامية عامودي ود. أيمن عبدو وإن كنت أثق أن خلفها كتيبة من أبطال الدفاع عن الحقوق لوطن يقوم على المساواة والسلم.
إلا أن بودي التأكيد على ملاحظة أوردتها عدة مرات في هذا المقال وهي ضرورة ضرورة ضرورة أن تكون الحماية استباقية فلا تتوقف التوعية والعمل عند توفير الدعم القانوني فقط بعد أن تقع الفأس بالرأس بل تكون حماية للأرواح الطبية وللمجتمع استباقية بإقرار قانون عقوبة صارمة لا تقل عن سجن عشر سنوات على من يتعرض لطبيب أو أي من الكوادر الطبية بأذى مع غرامة مالية لا تقل عن مليون مع تعميم هذا القانون على جميع المراكز الطبية والمستشفيات الصغيرة والكبيرة وفي المدن والأطراف ووضعه في موقع بارز بحيث يتضح للجميع جدية الدولة بأنها هي المنبع والمصب لإقرار الحقوق والعمل بها بما يقر العدل ويحفظ سلامة وكرامة المواطنين على قدم المساواة.