عبدالوهاب الفايز
حفلات التخرج لأبنائنا وبناتنا في الجامعات المحلية والخارجية تبقى المشاهد المفرحة والصاخبة التي نراها هذه الأيام، فهذه إحدى ثمار الاستقرار والسلام الاجتماعي.. إنه الانشغال بعمارة الأرض وبما ينفع الناس.
هذا العدد الكبير المتنامي من الخريجين.. بدون شك يفرحنا، ولكن همه أكبر! إنه يطرح علينا تحديات كبيرة أخرى .. وهو: كيف نتمكن من استثمار هؤلاء الخريجين في مجال العمل والإنتاج، خصوصا أن لدينا الآن أكثر من مليون عاطل وأغلبهم خريجو جامعات!
هذا المشهد المفرح المخيف يجعلنا نتذكر أمرا مهما يبدو أننا نسيناه في غمرة التحول الذي نعيشه، وأيضا نسيناه في ظل غياب جهاز متخصص متفرغ لرعاية شؤون الشباب، ما نفتقده هو: وجود (إستراتيجية وطنية للشباب) معتمدة من مجلس الوزراء. الذي أعرفه من القريبين من هذا الشأن هو التأكيد على أننا نفتقد وثيقة رسمية وطنية موحدة تحكم وتوجه السياسات والبرامج الموجهة للشباب.
ما هو موجود في إطار سياسات العمل تجاه الشباب هو خطط وأفكار ومبادرات خيرية وعامة، وهناك مؤسسات اعتبارية تهتم بالشباب، ولكن نطاق عملها محدد مثل المركز الوطني لابحاث الشباب في جامعة الملك سعود، ومثل البرنامج الوطني للشباب في وزارة الاقتصاد والتخطيط، وأيضا مركز الملك سلمان للشباب في مؤسسة مسك الخيرية، وهناك مجالس الشباب للمناطق.
هذه الجهات تعمل ببرامجها ومشاريعها الخاصة، ولكن لا تجمعها مظلة وطنية موحدة. في السنوات الماضية كان هناك جهد يبذل لأجل بناء استراتيجية وطنية للشباب، ولا ندري ماذا حدث لهذا المشروع، ولماذا اختفى ولَم نعد نسمع عنه. هذا الفراغ التشريعي يقلقنا لعدة اعتبارات. أولا، لأننا نواجه العديد من التحديات في أوضاع الشباب، وثانيا، لأن رؤية المملكة تستهدف الشباب بشكل واضح، في العمل، التعليم والاسكان، والترفيه، والتأكيدات من المسؤولين تتجدد حول أهمية الشباب الذي يشكلون70% من السكان.
وثالثا، هناك التزامات دولية وأممية للمملكة لبناء استراتيجية وطنية للشباب تعكس بوضوح الاهداف الاستراتيجية ومؤشراتها المستهدفة لتنمية الشباب في جميع المجالات.. مع أهمية الاستفادة من تجارب الدول القريبة والبعيدة التي سبقتنا في إعداد استراتيجيات شبابية تفاخر بها على المستوى الدولي مع ضعف الامكانات المادية والبشرية مقارنة بالمملكة.
تنسيق العمل الوطني الذي يستهدف الشباب يفترض أن يأتي في أولويات عملنا الوطني. لدينا العديد من التحديات الاساسية التي تتطلب الجهد الحكومي المكثف لصنع السياسات المدعومة بالدراسات والابحاث والبرامج الوطنية المتخصصة. نحتاج السياسات والبرامج التي تستهدف أمورا عديدة تهم الشباب مثل تنمية مفهوم الوطنية وترسيخها وتأصيلها في نفوس الشباب.
نحتاج البرامج الوطنية المتخصصة لحفز الشباب إلى المشاركة الإيجابية في الأنشطة الاجتماعية، ومحاربة الغلو والتطرف وبرامج الأمن الفكري والتطوع. نحتاج الإستراتيجية الوطنية التي تستهدف تعزيز الإحساس والإدراك باهمية الزواج وتكوين الأسرة، أي تعميق القيم التي تؤدي لبناء أسرة متماسكة مستقرة آمنة.
نحتاج الإسترتيجية التي تستهدف احتواء البطالة، وتنمية البرامج الوطنية لتمكين الشباب من الحصول على فرصة العمل المناسبة لميولهم وقدراتهم واختصاصهم العلمي.
نحتاج الجهد الوطني الموحد لتوجيه الشباب للاستثمار الايجابي للتقنية الرقمية الجديدة بالذات الإعلام الجديد، وايضا نحتاج السياسات لضبط التأثير الذي سوف يتركه الإعلام الجديد في الهوية الإسلامية والوطنية.
كل هذه الاحتياجات والتطورات تقدم فرص وتحديات جديدة للشباب ولصناع السياسات الحكومية.
غياب استراتيجية وطنية للشباب نخشى أن يجعلنا لا ندرك الاهمية الحقيقية للفرصة المتاحة في توسع الفئة العمرية الشابة المنتجة في المكون السكاني السعودي. هذه تقدم فرصة لبرامج التوطين، وأيضا فرصة لإصلاح وتطوير أنظمة التقاعد لحمايتها من العجز المزمن الخطير على الاقتصاد والاستقرار الاجتماعي. والدول التي استقرت فيها برامج التقاعد وشبكات الأمان الاجتماعي عملت على تعظيم الاستثمار في جيل كامل أعماره بين (25 -60) عبر برامج التوظيف الكامل الذي يجعل هذا الجيل يساهم بشكل مستقر ومستدام في مدخلات برامج التقاعد. هذا يحمي البرامج من العجز، ويتيح المال العام لبرامج التنمية الأساسية التي التي تمكن الشباب وتوفر لهم سبل الحياة الكريمة.
وأخيراً.. السؤال الذي نتمنى أن يجد من يجيب عليه هو: هل نحن جادون في رعاية وتوجيه الشباب، وهل هذا يتحقق بدون جهد وطني موحد ومتناغم لرعاية الشباب وتصميم السياسات التي تحولهم من خطر على الاستقرار الى ثروة وطنية حقيقية نستثمرها لتكريس الوحدة الوطنية.