د. عبدالله بن ثاني
ربما الذي يميز فكر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الإستراتيجي الأحلام التي يريد تحقيقها على أرض الواقع والتقويم المستمر وتقييم الإنجاز في كل مرحلة لمعرفة التحديات في طريق الوصول للهدف وكثيرا ما يرد على لسان سموه هذا التقييم المستمر ليعلن بشجاعة العظماء التراجع أو تغيير المسار أو المضي قدما للأهداف المرسومة كما يفعل القادة الاستثنائيون الذين يغيرون التاريخ لصالحهم ولمصلحة أمتهم وأجيالها لأن الذين يؤمنون بالأحلام من أولئك قليل إذ هم مشغولون بالترف واستغلال الصلاحيات والاستفادة من أكبر قدر ممكن من المتاح ولكن الأمير محمد أشغل نفسه بشيء آخر تماما هو بناء المجتمع السعودي الحديث على ركائز الرؤية 2030 (مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح)، وكل منصف يدرك أن سموه في سنة واحدة بدعم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- استطاع أن يحقق ما يحتاج العظماء لتحقيقه لشعوبهم إلى عشرات السنين، فأعاد هيبة الدولة الوطنية وصاغ مؤسساتها لتحقيق مزيد من الإنتاج والإنجاز والبعد عن البيروقراطية والحرص الشديد على مشاركة القطاع الخاص بتعزيز ثقافة التخصيص والمبادرة والتطوع في الإدارة الاقتصادية ورفع الموارد البشرية من باب المسؤولية الوطنية والاجتماعية على السواء، وجفف منابع الفكر المتطرف الوافد وأقفل أبواب تصدير الكراهية للعالم والشعوب والطوائف والأعراق والأمم وأعاد الناس لحياتهم الطبيعية المختطفة من ثلاثين سنة على يد الفكر الوافد المتوحش وأخرس رموزه بحزم وعزم للأبد، واستطاع أن يعيد للمرأة كرامتها وحريتها المستلبة ظلماً وعدواناً طيلة عقود بسبب العادات والتقاليد التي تتعارض مع روح الإسلام العظيم، بل إنه يرسم للأسرة السعودية إستراتيجية في مجالات الحياة كالتسوق والترفيه وثقافة السفر، ولم يقتصر على ذلك بل أعاد هيكلة الدولة بما يحقق رفاهية المواطن السعودي وخلق فرصا لشبابنا في رسم حياة أفضل ويحقق العدالة والمساواة ويجفف منابع الفساد المالي والإداري والثقافي، وعزز من مكانة المملكة العربية السعودية في مؤسسات المجتمع الدولي واستطاع بحنكته أن يعيدها إلى الريادة والفاعلية في القرار العالمي بل كان حازما في رسم الخريطة التي تليق بالمملكة العربية السعودية في الصميم العربي والجسد الإسلامي والبيئة العالمية من خلال تجفيف المخاطر التي على حدود بلادنا.
حينما تحدث سموه عن الأحلام في مدينة نيوم الحالمة كان يثبت أنه من القادة القلائل في التاريخ الإنساني الذين كانوا مفكرين ومنجزين واستثنائيين بينما القادة العاديون يحاولون أن يسوغوا لمشروعاتهم الشخصية ويدافعوا عن الأخطاء وربما الذي ميز فكر الأمير محمد بن سلمان أنه صادق مع شعبه الذي يرى كل يوم ما تحدث عنه الأمير في عالم الواقع ولا أدل على ذلك من مشروع القدية الأخير الذي تم تولى مباركته خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- ليمثل المشروع الترفيهي الحضاري الأضخم من نوعه في العالم على مساحة أكبر من ديزني لاند الأميركية بثلاث مرات ليعلن للعالم، وهذا المشروع الحيوي يمثل إحدى المبادرات الاستثمارية التي تدعم رؤية 2030، وخلق المزيد من فرص العمل للسعوديين، وعطفاً عليه، وإكمالا لمسيرة الإنجاز الحضاري في كل أنحاء البلاد التي فرحت بمشروعات حالمة في نيوم والقدية أتمنى أن تحظى العقير بمشروع حالم للأسباب التالية:
1 - العقير المنفذ البحري للأحساء بلاد النخيل ورائحة الليمون الحساوي، وعناقيد العنب والتين الشمام الحساوي والرطب بأفضل أنواعه، الخلاص والغر والبرحي والمجناز والحاتمي وغيرهم.
إنها واحة ذات جذب سياحي فريد ببيئتها وتراثها وعراقتها وإنسانها وهي من واحات بلادنا الحبيبة التي حباها الله سبحانه وتعالى خزاناً بشرياً طيباً وموقعاً جغرافيا وإمكانات طبيعية وعوامل جذب سياحية متعددة جعلها محطاً للرحل في الماضي والسياح في الحاضر، وهي تحمل طابعاً تاريخياً إذ كان مسماها التاريخي شاهداً على بروتوكول العقير الأول والثاني المعدل لاتفاقية المحمرة الشهيرة، التي كانت فيصلا مهما في رسم حدود بلادنا مع الكويت والعراق، ولا يخلو مصدر من مصادر تاريخنا الوطني من الإشارة إليها بحكم أنها شهدت أحداثاً مهمة في عصر المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وتحكي (فرضة العقير) قصة أول رحلة بحرية للملك المؤسس عبدالعزيز وفي هذه دلالة تاريخية واقتصادية لهذا الميناء.
2 - هذا المشروع يحتاج للمسات الفكر الإستراتيجي للأمير محمد بن سلمان في رسم مدينة حالمة بدعم من صندوق الاستثمارات العامة أيضاً في شرق مملكتنا الحبيبة بالإبداع نفسه الذي صاغ مسيرة نيوم في الشمال والقدية في الوسط ومما يسهل المهمة أن الدولة -أعزها الله- قامت بإجراءات تأسيس شركة تطوير العقير في محافظة الأحساء، يوم الثلاثاء 4 ذو القعدة 1434هـ الموافق 10 سبتمبر 2013م، وتم توقيع عقد تأسيس الشركة برأسمال يبلغ مليارين و(710) ملايين ريال بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية رئيس مجلس التنمية السياحية في المنطقة.
3 - يستهدف المشروع بالإضافة للمواطنين السعوديين في تلك الجهة العزيزة من بلادنا أشقاءنا في دول مجلس التعاون دون استثناء بمعدلات تقارب 50 مليون مستهدف، وسيتم توفير حوالي 100 مليار دولار تقريبا مما ينفقه السعوديون كل عام على السياحة والترفيه خارج البلاد. وسيتم توظيف هذه الوفرة في الإنفاق لتنمية الاقتصاد المحلي الداخلي، ما سيؤدي لخلق فرص عمل جديدة للشباب السعودي لشباب الإحساء والقطيف.
4 - ستمثل مدينة العقير الحالمة إحدى مبادرات رؤية المملكة 2030 الإستراتيجية لدفع عجلة الاقتصاد الوطني والاعتماد على اقتصاد المعرفة والنهضة المستدامة وتجاوز اقتصاد مابعد النفط وبخاصة أن المشروع لاتحتاج الدولة فيه إلى نزع ملكيات ولا تغيير في تضاريس المنطقة البكر التي يلفها الهدوء في لوحة تشكيلية تشهد على التحام النخيل بمياه البحر الزرقاء الداكنة ومعها الرمال الناعمة والنظيفة في صورة تشبه إلى حد كبير مايراه السواح والمصطافون في جزر البحر الكاريبي أو جزر الهاواي.
5 - يعد العقير من أنظف وأهدأ الشواطئ لمن يبحثون عن الراحة والاستجمام ، ويمكن الاستفادة من البنية التحتية الحالية في توافرعدد كبير من المظلات المحاطة بالمسطحات الخضراء، وتوافر دورات المياه، وألعاب الأطفال، وأماكن لمحبي ركوب الدراجات النارية، كما توجد ساحات لممارسة رياضة السكيت، ومضامير لمحبي رياضة المشي وتملك العقير مقومات استضافة أبرز المسابقات والألعاب العالمية ورياضة الشواطئ والمؤتمرات والندوات واللقاءات العالمية.
6 - نستحضر أن مثل هذه المشروعات الحيوية والترفيهية تساعدنا على تجفيف منابع الفكر الوافد الحركي في هذه الدولة الوطنية وتعزيز الولاء الوطني لها ولمؤسساتها ولشعبها بمختلف تنوعه الثقافي والعرقي والمذهبي والقضاء المبرم على خطاب الكراهية والتطرف الذي عبثت رموزه في فكر شبابنا من خلال خطاب كان يسعى لتحريم وسائل الترفيه والسياحة ومظاهر الأنس ليسهل استقطاب المستهدفين للفكر الوافد المرعب بعد أن تمت تهيئتهم نفسياً ومعنوياً بسبب غياب تفاصيل الحياة الطبيعية للإنسان السوي.. ولاشك أن هذه المنطقة العزيزة علينا جميعاً من خلال مواقفها الوطنية التاريخية تضعنا أمام مسؤولية بناء مدينة حالمة أيضا كنيوم والقدية تنقلنا جميعاً من الواقع على أجنحة الخيال العلمي والمشروعات التنموية الجبارة إلى عالم إنساني واسع أرحب، عالم جميل يعطي فيه الإنسان خير ما يملك لأخيه الإنسان دون اعتبارات تفسد هذه الروح الحالمة.. والله من وراء القصد.