في رحاب كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تعرفت على الأستاذ الدكتور محمد بن علي الصامل ذات صباح من عام 1427، كان استقباله لي في غاية الحرارة والحفاوة، وكان أوّل حديث جرى بيننا حول فضيلة الشيخ العلامة محمد الطاهر ابن عاشور شيخ جامع الزيتونة الأعظم بحاضرة تونس في النصف الأول من القرن الماضي، وقاضي المالكية، وحول مصنّفه الشهير تفسير التحرير والتنوير. دار بيننا حديث ثري حول البلاغة والتفسير وحول العمق المعرفي الذي يتميز به تفسير ابن عاشور ومدى تبحّره في التأليف بين الروافد المعرفية المختلفة والمتظاهرة على تفسير آي القرآن الكريم، وخاصة احتفاءه بمناسبات القرآن، وبالأبعاد البلاغية والتداولية التي تضمنتها الآيات الكريمة في مختلف السور. ثم استطردنا للحديث في شجون المعرفة العلمية وفي مسائل التخصص في اللغة العربية عموماً وفي الصلات المخصبة بين علومها، وفي مستقبل الدراسات اللغوية والأدبية، وكان ذلك الحوار الدافئ الرصين منطلق صلتي المتميزة والحميمية بالدكتور الصامل طيلة الأعوام الماضية بل أقول الأعوام الفارطة، ثم توطدت الصلة حين تحمّل مسؤولية عمادة كلية اللغة العربية، وكنت أزوره في مكتبه من حين إلى آخر ونتحاور في قضايا التعليم الجامعي وتأهيل المتقدّمين للإعادة، ومستقبل اللغة العربية وآدابها ووظائفها المعرفية والاجتماعية، ومسؤولية الساهرين عليها في مختلف مواقع التعليم والبحث العلمي. لم يلفت انتباهي عمق النظرة المعرفية للدكتور الصامل وخصوبة تجربته فحسب، بل إن أهم ما أحتفظ به في ذاكرتي عن شخصية العميد الذي كان هو تمثله العميق لوظيفة العميد والمسؤول العلمي في التعليم العالي. فهذه الوظيفة كثيراً ما تلتبس في حياتنا الجامعية في العالم العربي خاصة بوظيفة مدير الإدارة العمومية في القطاع الاجتماعي أو أحياناً في القطاع الاقتصادي المنتج، ومن المؤسف أن العمل الإداري اليومي كثيراً ما يصرف هذا النوع من المسؤولية إلى المشاغل الإدارية الصرف وإلى المشاكل اليومية التي تزاحم الحياة العلمية، لكن الدكتور الصامل – والحق يقال- كان يعي بحسّ حادّ مرهف أن العميد ليس مجرد موظف إداري، بل هو رئيس فريق عمل علمي يشرف في مرحلة اضطلاعه بتلك المسؤولية على تطوير مجالات التكوين والبحث في مؤسسته وعلى استنباط الوسائل العلمية القادرة على تطوير المناخ التعليمي والبحثي وتنظيم الزيارات والبعثات والنوات والمحاضر، وعقد الصلات بالجهات الجامعية المختلفة، كل ذلك في سياق النهوض بالحياة العلمية والبحث عن مسالك تنشيط العلاقات الأكاديمية بين الكلية وبين المؤسسات المناظرة لها سواء في الجامعات أو في القطاعات البحثية والثقافية التي لها سبب أو آخر بتخصصات اللغة العربية، ولا أدلّ على ما أقول من نجاح الندوة العلمية التي أشرف على إعدادها الدكتور محمد الصامل حول الدراسات البلاغية: الواقع والمأمول والتي نظمها قسم البلاغة بكلية اللغة العربية عام 1432هـ، فهذه الندوة كانت في تقديري علامة مميّزة لتاريخ نشاط الكلية في الفترة التي تقلّد فيها الدكتور الصامل مسؤولية تسييرها. فقد طرحت فيها عدة قضايا تتعلق بمستقبل الدرس البلاغي وبصلة العلوم البلاغية بسائر علوم اللغة وبالمنظومات التواصلية المجاورة لها، ويبدو لي أنها أثّرت بعد ذلك في مسار البحث العلمي في هذا التخصص المهم. هذه بعض الخواطر أردت أن أسهم بها في الاحتفاء بالزميل الكريم الأستاذ الدكتور محمد بن علي الصامل، وهي بطبيعة الحال لا توفيه حقه وإنما هي مصافحة لطيفة وبعض الرطب من حديقة الأدب واعتراف لأهل العلم بأفضالهم.
** **
- أ. د. صالح بن الهادي رمضان