تهيَّأ منذ سنوات المجيءُ إلى هذه الأرض العامرة... في البدء يواجه الوافدُ صعوبة الاندماج في المحيط الجديد... وهذا طبيعيّ... لكنْ عزاءُ الغريب في الوجوه التي تَطْفحُ بِشْرًا وألَقًا... تستقبله بالمحيَّا الطلْق البهيج ويُصفِّقُ له القلْبُ فيأنسُ ويرتاح من وعثاء السّفر وتعب الأيّام....
من بين تلك الوجوه التي غمرتْني برعايةٍ منقطعة النّظير وخفَّفت عنّي عِبْء أحزاني، وأنا أفارق فلذاتِ الكبد، الدكتور محمد الصّامل، الأيقونة عِلْمًا وإنسانًا... يلْقاك منذ الوهلة الأولى بابتسامةٍ تُشيعُ في داخلِكَ راحةً وانبساطا فتخرج نفسُك من تبرُّمٍ إلى دَعَةٍ ومن ضيقٍ إلى اتّساع... وتنبجسُ من أيّام الغُربة الثِّقال إرادةُ الحياة والعزمُ على الكَدِّ والجِدِّ والإخلاص بفضل هذا المعدن الفريد من الرّجال...
عرفتُه باحثًا لا ينقطع عن مراعاة طُلاّبه وهو عميد...كم مرّةً دخلتُ مكتبَه لأجدَه سَاهمًا في قراءة هذه الرسالة أو تلك مأخوذا بالتدقيق والتصويب في شغف منقطع النّظير! هو الحِذْق لفنّ الإدارة وصنعة البحث في آن، ميزةٌ تتأتّى لقلّةٍ قليلة من النّاس! وتنضاف إلى كلِّ ما تقدّم قدرتُه الفريدة على التّواصل مع مَن يختلف عنه من الباحثين منهجًا ورؤيةً: فهو دارسٌ قويُّ الشكيمة للتراث البلاغي، راسخُ القدم في مجاله منهجًا ومعرفةً لكنّه محتفٍ بمَن يدرس البلاغة والنّقد من وجهات نظر حديثة مرحِّبٌ بتوظيف علوم الخطاب واللغة بما يخدم قضايا التراث... هو بريء مِن كلِّ «حساسيَّة» أو «عقدة» تجاه الجديد من المناهج، بل إنّه عبَّر غير مرّة عن رغبته في تجديد طُرُق البحث البلاغي والنقدي والإقلاع عن الطّريق التي كثُرَ سُلاَّكُها! ولذلك جَدَّ في استقدامنا والاحتفاء بنا-نحن المغاربة- رغبةً منه في تحقيق الإضافة المنهجيّة المرجُوَّة، وقد تحقّقت من خلال رسائل علميّة جادّة أشرفنا عليها، منها ما نوقِشَ ومنها ما ينتظر ومنها مَا طُبِعَ وانتشر، بفضل الله، ثم بفضل جهود هذا الرّجل الأمين.
فإليه خالص الشكر على ما لقيتُه منه من حُبٍّ ورعاية، وعلى جهوده باحثًا مستنيرًا يؤمن بالاختلاف في الرأي والرؤية.
إنَّه رجلُ الحَزْم والابتسامة.
** **
- أ. د. أحمد الودرني