«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
رغم الارتفاع الكبير للإيرادات السياحية بالمملكة، ورغم ضخامة عدد الزائرين، وتعدد الدوافع السياحية، إلا أن التنمية السياحية سارت على منوال مختلف تماماً بالمملكة طيلة السنوات الماضية، فلعل الزخم النفطي وإيراداته العالية، تعد أحد الأسباب الرئيسية وراء ضعف الاهتمام بالسياحة في المملكة، خارج النطاق التقليدي للسياحة الدينية.. حتى الإحصاءات والأرقام السياحية الهائلة لم تنل الاهتمام الكافي بها على مستوى مخططي التنمية، في ظل زخم أكبر للنفط والغاز والصناعات التحويلية، رغم أن صناعة السياحة تبدو صناعة أكثر سهولة في رواجها وتحقيقها لقيمة مضافة غير عادية لدولة مثل المملكة تمتلك من المقومات «بتعددها» ما يؤهل السياحة لكي تكون الصناعة الأولى بالمملكة في طريق التنمية المستدامة، في عصر ما وراء النفط.
المملكة تساهم بـ77.1 % في إيرادات الشرق الأوسط
الأمر المستغرب أن كثيرين لم يدركوا أن المملكة منذ 2005 وهي تساهم بنسبة 65.4 % من إجمالي الإيرادات السياحية بالشرق الأوسط، فقد بلغت إيرادات القطاع بالمملكة حوالي 17.4 مليار دولار من مجمل 26.6 مليار دولار على مستوى الشرق الأوسط. هذه الحصة رغم أنها بالقيم المطلقة لا تزال مستقرة وتتزايد. إلا أن هذه المساهمة كنسبة مئوية تقلصت عبر الفترة (2005-2015)، لأن حجم الطلب على السياحة بالشرق الأوسط ارتفع كثيرا من 36 مليون سائح وافد في 2005 إلى حوالي 53.3 مليون سائح في 2015، رغم أن الطلب على السياحة بالشرق الأوسط ارتفع بنسبة 48.0 %، إلا أن حصة المملكة من هذه السياحة الوافدة ارتفعت من 8 ملايين سائح في 2005 إلى حوالي 18 مليوناً في 2015، أي ارتفع بنسبة 125 %.
فرغم ازدياد حصة المملكة من السياحة الوافدة بهذه النسبة الكبيرة، إلا إن حصتها من مجمل الإيرادات السياحية على مستوى الشرق الأوسط لم تزداد كما هو متوقع طيلة الفترة (2005-2015).
الطفرة الحقيقية في النشاط السياحي بالمملكة حدثت خلال (2016-2017)، ويبدو أن تصورات التنشيط السياحي بدأت تأخذ منحنى جديداً أو لنقل صحيحاً في ظل بدء ارتفاع الإيرادات السياحية.. فارتفاع الطلب ليس هو المستهدف ولكن زيادة الإيرادات السياحية للمملكة .. الإيراد السياحي هو عبارة عن حاصل ضرب عدد السياح في إنفاق السائح.
لذلك، فإن المستهدف هو رفع نوعية السائح صاحب الإنفاق العالي الذي يحقق أهداف التنمية المستدامة، بحيث لا يستهلك البنية التحتية أو المقومات السياحية. ولأول مرة تحقق المملكة إيرادات سياحية بقيمة 44.5 مليار دولار في 2016، تلتها إيرادات أعلى بقيمة 52.5 مليار دولار في 2017.. وفي هذين العامين، ارتفعت مساهمة المملكة في إيرادات الشرق الأوسط السياحية من متوسط لم يكن يتجاوز الثلث (34.1 %) حتى 2015، إلى 77.1 % في 2016، كما يتوقع أن تحقق نسبة مثيلة وربما أعلى في 2017.
مؤشرات استثنائية
توجد ثلاثة مؤشرات استثنائية للسياحة بالمملكة:
أولاً: وصل عدد السياح الوافدين للمملكة في 2016 إلى حوالي 19 مليوناً، وبلغ عدد السياح المغادرين حوالي 21 مليوناً، أي لدينا سياح مغادرون يوازي ويفوق عدد الوافدين، كان يمكن أن نحافظ عليه، وربما نحقق إيرادات سياحية مضاعفة منه. أي لدينا طلب هائل.
ثانياً: المملكة تمتلك 6580 منشأة سياحية ما بين فندق وشقق فندقية، فيها حوالي 421.9 ألف غرفة سياحية، وهو رقم كبير، يظهر أن البيئة المحلية مهيأة سياحيا، بديل أن معدلات الإشغال السياحي لا تزيد كمتوسط للعام عن 66 %. أي لدينا معروض هائل.
ثالثاً: تعتبر السياحة صناعة كثيفة العمالة، ويمكن أن تكون حلاً ذهبياً لمشكلة البطالة. ويمكن تنشيطها بالمملكة بسهولة ويسر، فلا يتصور أحد أن المملكة ترغب في زيادة عدد السائحين لها إلى 30 مليونا وستواجه معوقات. ولكن السؤال الأهم: ما هو الطريق المستدام لزيادة هذا العدد دونما التأثير على أوجه التنمية المستدامة الأخرى بالمملكة؟.
تكامل المقومات السياحية
كل الدول تمتلك نوعاً (ربما وحيداً) من المقومات السياحية، إلا المملكة، فإنها تمتلك أنواعاً متعددة من هذه المقومات، فهناك طلب كبير على السياحة الدينية، بحكم تشرف المملكة بوجود الحرمين الشريفين. فضلاً عن طلب غير عادي على سياحة الأعمال، بحكم أن المملكة تعتبر الآن من أكبر الاقتصاديات بمنطقة الشرق الأوسط، ويزداد بمتوالية هندسية حجم الإقبال الاستثماري على السوق المحلية. أيضاً هناك طلب واسع وكبير للغاية على زيارة الأصدقاء، بحكم إقامة عدد كبير من الوافدين بالمملكة.
استثمارات سياحية
تستهدف المملكة في برنامج التحوّل الوطني، زيادة الاستثمارات السياحية الجديدة من 145 مليار ريال (38.7 مليار دولار)، إلى 171.5 مليار ريال (45.7 مليار دولار) بحلول 2020.. وهذا يعني استهداف طفرة سياحية قادمة لصناعة واعدة، هي صناعة سياحية لما وراء النفط.