د. محمد عبدالله العوين
أكتب هذا المقال وأنا في زحمة أوراق امتحانات طلابنا -وفقهم الله وأعانهم- فقد بدأ طلاب الجامعة أداء امتحاناتهم الاثنين الماضي ويبدأ غداً الأحد طلاب الثانوية والمتوسطة والابتدائية الجلوس على مقاعد الامتحان.
هي أيام قليلة عصيبة ومرهقة للطلاب ولأسرهم ولأساتذتهم أيضاً، وهي أيضاً فترة حصاد فصل دراسي كامل؛ إن لم يكن عاماً دراسياً، فالمعارف لا تنفصل ولا تتوقف عند مرحلة محددة، هي كالبناء الشامخ يصعد ويكمل بعضها بعضاً، فلن يستغني طالب الجامعة عمَّا تعلّمه في الثانوية؛ بل يزيد تعمقاً ودخولاً في التفاصيل كما هو شأن دراسة اللغات؛ العربية أو الإنجليزية مثلاً، وكما هو شأن الرياضيات والعلوم الطبيعية وكذلك العلوم المتصلة بالفقه والتاريخ والسياسة وغير ذلك.
ومتى ما كان التأسيس في المراحل الأولى المبكرة قوياً تصاعد البناء المعرفي بقوة وثبات وسهل على الطالب الجامعي استيعاب التعمق في التخصص؛ لكن ما يلحظ -مع الأسف- أن نسبة غير قليلة من طلابنا يأتون إلى الجامعة وليس في ذاكرتهم مما تعلموه في المراحل السابقة إلا نتفاً يسيرة من المعلومات الناقصة المرتبكة.
لقد اختلف طلاب اليوم عن طلاب الأمس من حيث تميز السابقين على اللاحقين بكثير من الجد والحرص على التفوق ووضوح الهدف؛ وهذا يبدو أنه ملحوظ في أكثر من مؤسسة علمية وعلى جميع المستويات، والحق أن هذا الفارق لم يشكل ظاهرة بعد؛ إلا أنه لافت للانتباه، وقد يلتمس المشفقون المحبون الأعذار لأبناء هذا الجيل؛ فقبل لم تكن ثمة ملهيات ولا مغريات ومسليات تشغل السابقين وتفتك بأوقاتهم، حجة أبناء اليوم أن أجيال ما قبل طفرة الفضاء الإعلامي والإلكتروني وهيمنة التقنية لا يجدون أمامهم وسيلة للتسلية أو ما يشغلون أوقاتهم فيه إلا الكتب والقراءة في الصحف والمجلات ومتابعة الإذاعات وقناة واحدة إن تيسر لهم ذلك، أما جيل اليوم فهو محاصر بين القنوات ووسائط التواصل الاجتماعي والأسواق والمجمعات التجارية الفخمة والمقاهي والاستراحات؛ فكيف يجد وقتاً واسعاً ومريحاً ينسحب فيه من كل دواعي التسلية وإغراءاتها للجثو على الركب أمام الكتب؟! لذلك لا يصحو بعض الغافلين ممن سلبت قلوبهم وأوقاتهم فتنة الفضاء الإلكتروني إلا قبل الامتحانات بأيام قليلة؛ فهذا يسأل عن مفردات المنهج، وذاك يبحث عن ملخص، وثالث عن مرجع، ورابع عن خدمات طالب يكتب له بحثاً، وخامس حاضر جسداً غائب قلباً لا يدري عمّا دار في القاعات من محاضرات ونقاشات وأسئلة؛ لأنه ناعس الطرف يخاتله النوم بسبب السهر على الملهيات!
كان من المفترض أن تكون تقنية هذا العصر المتقدمة ووسائل الراحة المتنوعة ووفرة المال عند البعض سبباً للتفوق والنبوغ، فالكمبيوتر -مثلاً- حمل عن طالب اليوم عناء الكتابة بخط اليد، وأتاح له فرصة التجوال بين المعارف في قارات الدنيا عن طريق الشبكة العنكبوتية، فاختصر عليه الوقت والجهد، أما أن يحدث خلاف ذلك مما يتخذه بعضهم حجة للكسل فليس مقنعاً على الإطلاق.