د. حمزة السالم
ارتفاع الأسعار مع زيادة الطلب، يعني زيادة كمية الإنتاج دون زيادة في البنية الإنتاجية. فمثلاً زيادة الطلب على الأعمدة الضوئية يدفع بأصحاب المصانع لزيادة ساعات العمل وإلغاء الإجازات، مما يدفع لزيادة كلفة العمال مقابل زيادة إنتاج الأعمدة.
ولكن هذا الوضع لا يستمر. فمتى رأى أصحاب المصانع أن كمية الطلب مُستدامة، فسيلجأون لتوسعة مصانعهم أو بناء مصانع جديدة أو دخول مصنعين جدد.فهنا ستزداد المقدرة الإنتاجية المُثلى، أي ستزداد البنية الإنتاجية، مما يُرجع أسعار الأعمدة إلى عهدها السابق أو أقل رغم استدامة مستوى الطلب.
وهذا ينطبق على اقتصاد استيرادي كاقتصادنا. فالمستوردون سيتزاحمون على المصدرين، وترتفع كلفة التأمين والشحن المستعجل وهكذا. لكن لا تلبث أن ترجع الأسعار للنزول، في حالة الاستيراد بسرعة أكبر بكثير من حالة الإنتاج.
وعموما فهنا قد يقول قائل: وهل رأيتم يا عباد الله نزولا للأسعار بعد صعودها إلا نادراً؟ فالجواب، أن هذا يكون في الاقتصاد الكلي. فعندما يرتفع مؤشر الأسعار العام، فلن يعود للانخفاض أبداً إلا في حالة انهيار اقتصادي.
فما الفرق؟ لماذا تعود الأسعار للانخفاض إذا كان الارتفاع ناتج عن زيادة في الطلب على سلعة واحدة، ولا تعود الأسعار للانخفاض إذا كان ارتفاع الأسعار ناتجًا عن النمو، وهو زيادة في الطلب الكلي.
الجواب يكمن في التوسع، أي النمو. فالتوسع في المصانع في حالة الأعمدة، لم ترتفع كلفته. فزيادة مصانع الأعمدة لا تؤثر في أسعار المقاولات والمواد الأولية. وكذلك جلب العمال لها سيكون من خارج المجموعة الأولى. فعندما تبدأ المصانع الجديدة بالإنتاج، تبدأ بنفس الكلفة القديمة التي كانت قبل زيادة الطلب على الأعمدة. أما في حالة نمو الاقتصاد الكلي، فكلفة كل شيء ترتفع. فريادة البنية الإنتاجية، كزيادة مصانع الأعمدة لن تكون بنفس الكلفة القديمة، فالطلب الكلي قد زاد فرفع الأسعار. فأسعار المقاولات والمواد الأولية لبناء مصانع الأعمدة الجديدة في مثل هذه الحالة، لن يكون بنفس الكلفة التي كان عليها قبل زيادة الطلب على الأعمدة، فبالتالي لن تنخفض أسعار الأعمدة في حالة زيادة الطلب عليها ضمن زيادة الطلب الكلي. بينما ستنخفض أسعارها في حال كانت زيادة الطلب عليها فرديا لا علاقة له بالطلب الكلي.
ومما سبق نستطيع أن ندرك أن هناك مرحلتين للنمو، سواء الكلي أو الجزئي في سلعة أو صناعة. المرحلة الأولى هي زيادة الإنتاج على حساب زيادة الكلفة، كاستجابة لطلب مفاجئ من السوق. وهذا لا يحقق نمواً حقيقياً في الاقتصاد، فهو غير دائم الإنتاجية وغير خالق لنمو آخر. وذلك لأن التوظيف وزيادة الإنتاج تزول بزوال الزيادة في الطلب. فاستمرارية الطلب هي التي تخلق النمو. فهي التي تدفع المنتجين للاستثمار في زيادة الأصل المنتج من أجل تخفيض الكلفة وبالتالي تحقيق المكاسب. واستمرارية الطلب لا تتحقق إلا بتوفر حافز جديد، متى تم استيعابه، بلى وصار عتيقاً، فتوقف النمو في الطلب، ودخل الاقتصاد في مرحلة الكساد.
والحوافز أنواعاً منوعة، فقد تكون حربا، أو اختراعاً، أو تغيير في سياسات اقتصادية، أو تغيير في جغرافية البلد أو غير ذلك، ولكن مهما اختلفت الحوافز، فالشيء الوحيد الذي لا يختلف هو شرط وجود الإنسان القادر على الإنتاج وتطوير الإنتاج. فالنمو لا يكون بالإنتاج، فالإنتاج لا نمو فيه، إنما يكون النمو بتطوير الإنتاج.