إبراهيم عبدالله العمار
حاول أن تخمِّن هذه الأمة المعاصرة: يركبون الخيل، يأكلون من صنع أيديهم، ولا يعرفون كهرباء ولا سيارة ولا طائرة. أين يعيشون؟ إذا توقعت في إفريقيا أو آسيا فأنت مخطئ. هؤلاء أمريكان!
إنها أمة الآمش، أمريكان بيض من أصول أوروبية، إلا أنهم قاطعوا الحضارة، ويعيشون كما عاش الناس قبل قرون. ربع مليون يتوزعون في أمريكا الشمالية، أواصرهم قوية، ويقدسون العائلة؛ لذلك فإن إنجاب الأولاد وتربيتهم ومعاشرة الجيران والمعارف هي ما يستمتعون ويعتزون به. إذا تعارضت مصلحة الفرد مع العائلة فإن العائلة تسود، وسلطتها تمتد مدى الحياة، ولا تقتصر على الطفولة والشباب. حتى لو ساءت علاقة الفرد بأقاربه فإنها لا تنقطع تمامًا. يدرِّسون أبناءهم بأنفسهم في مدارس صغيرة إن صحت التسمية؛ فكل مدرسة غرفة واحدة. كل شخص له دوره؛ فالذكور يرعون الماشية، ويُنشئون المباني الخشبية، والإناث يعملن في المنزل والحديقة مع والداتهن. وكل هذا بعد سن 14 سنة.
لماذا يرفضون الكهرباء؟ لأنها تضعف ترابط العائلات، وتكثر اجتماعات العائلة، فيتعارفون ويتسامرون ويتعاونون، بينما لو أضيف الهاتف والتلفاز إلى حياتهم لتباعدوا وانعزلوا (وانظر لما فعله الجوال اليوم من عزل للناس).
الآمش لا يحبون أن يلتقط أحد صورهم؛ والسبب ديني وثقافي؛ فدينهم يحثهم على تجنب الصور والتصوير. أما الثقافي فلأنهم منطوون؛ لا يحبون لفت الانتباه. وللسبب نفسه يتجنبون الفاخر والزاهي، ويلبسون الأبيض والأسود والألوان البسيطة. أما النساء فيلبسن ملابس محتشمة، تستر كامل الجسد، بما في ذلك الرأس، ولا يظهر إلا الوجه واليدان. تلبس المتزوجة غطاء رأس أبيض، والبكر تلبس الأسود. الرجال المتزوجون والذين تعدوا الأربعين يعفون لحاهم، ويحلقون شواربهم؛ لأن الشارب مرتبط عندهم بالعسكرية؛ إذ كان ضباط الجيوش الأوروبية في الماضي يربون شوارب كثة، والآمش من مبادئهم السلم، ويبتعدون عن العنف.
أما ما اشتُهروا به فهو بُعدهم عن أساليب الحياة المعاصرة؛ فهم لا يستخدمون السيارات، وإنما يركبون الجياد أو العربات التي تجرها الخيل. وإذا ذهبت لبعض مناطق ولاية بنسلفانيا فلا تستغرب إذا رأيت عائلة في عربة يجرها حصان في أحد الشوارع! لا يحبون الاحتكاك بالأمريكان الذين يسمونهم «الإنجليز»، ويعيشون في مجتمعات ومزارع منعزلة.
اليوم العادي للرجل أن يستيقظ الخامسة صباحًا، ويطعم الأنعام، ويحلب البقر، ثم يعود ليفطر مع عائلته. بعدها يعمل في مزرعته جُلَّ يومه؛ فيحرث، ويبذر، ويحصد، ويعود ليتغدى، ثم يرجع للأرض. من الفجر إلى المغرب.
أما المرأة فتستيقظ في الوقت نفسه، وتعين زوجها على الحلب، وتعد الإفطار، وتغسل، وتنشر، وتذهب للمزرعة فتقطف خضراوات تجعلها للغداء، وتجهز أطفالها للمدرسة. وخلال اليوم تقوم بباقي الأعمال من كي وغسل أطباق وترتيب وخياطة.. فهي التي تصنع الثياب لنفسها وزوجها وأبنائها، وكذلك الطبخ والخبز للعشاء، ومن ذلك تعليب الفواكه؛ لتصنع منها المربى.
أمريكا بلد المتناقضات، وإذا لم تعرف ذلك فشعب الآمش سيقنعك!