عبدالوهاب الفايز
على المستوى التنظيمي في القطاع العام ثمة أمور إيجابية تجري ويتصدى لها متخصصون ومهنيون، ويخرجون بتوصيات أو تصورات واضحة لحل المشاكل التي يعاني منها الناس وتمس أولويات حياتهم. الأمر الإيجابي لهذه المشاريع أو التنظيمات هو أن هذه (المنتجات الفكرية)، مجانية، وإن وجدت تكلفه فلن تتجاوز خُمس ما تتقاضاه الشركات الاستشارية العالمية لإنجاز نفس الأعمال، وبنفس إطار العمل، والإطار الزمني.
أنا لا أستكثر وأستغرب، فهذه من ثمار التأهيل والرعاية للكوادر الوطنية التي نفخر بها، والتي تتواجد في جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية والبحثية وتتواجد فِي مختلف الأجهزة الحكومية. هذه المنجزات بدأنا نلمسها، ويبادر لها القيادات في القطاع العام، وهذا مؤشر يطمئن، وبالتأكيد سوف يتوسع ويتطور وتصيب عدواه الإيجابية الجهات التي ما زالت تعاني من عشق الشركات الاستشارية.
لقد بدأنا نسمع عن منتجات فكرية محلية لدراسة المشاكل ووضع الحلول، وهذا يحمينا من منتجات الشركات الاستشارية التي تصادر وعينا، و(تقبض) الملايين والنهاية مخرجات هزيلة، والحمدالله أن أغلب هذه المنتجات لا يُطلَّع عليها (لأنها توضع في مئات الصفحات)، وبالتالي لا تطبق وتنتهي إلى المجهول، وهذا: أحسن وأفضل من تطبيقها.
وإشكاليات وتبعات التطبيق غالباً لا تهتم بها دراسات وإستشارات الشركات الاستشارية، وهي الأهم، وهي التي تدفع بالاهتمام بوضع هذه الشركات وهي تجعل مؤشرات القلق من دراساتها ترتفع، بالذات لدى النخب التي بيدها القرار. هذا الاهتمام يُفرح، فإدراك القيادات للوضع السلبي الذي يتركة أداء الشركات الاستشارية أمر إيجابي لا يستغرب من القيادات التي تخاف على بلدها ولا تقبل التلاعب بمصالحه العليا.
إن تجربة السنوات الماضية كشفت هزالة المخرجات لهذه الشركات، فقد أربكت القرار الوطني، وأوجدت (بوادر مرض مزمن) في القطاع العام والخاص اسمه: الشركات الاستشارية، وكأن ليس لدينا نقص بالأمراض المزمنة الصحية والاستهلاكية.. وغيرها مما تعرفون.
إعذروني لهذا الإصرار والتكرار.. وهذا الأسى، فقد سبق ان تناولت هذا الموضوع، وكان التناول يستهدف دفع الجهود لتوسيع توجهنا إلى (المحتوى المحلي)، عبر التعاقدات الحكومية، وسبقت الدعوة هنا لإنشاء شركة وطنية مساهمة تجمع المؤسسات العامة والخاصة المتخصصة بالاستشارات والدراسات بحيث تتخصص بـ (الشراء الموحد) للخدمات الاستشارية التي يحتاجها القطاع العام.
هذا التوجه تدعمه اعتبارات الأمن الوطني، وتدعمه الضرورات الاقتصادية لتوسيع قطاع الخدمات، وتتطلبه اعتبارات كفأة المخرجات للاستشارات والدراسات والأبحاث. وتدعم هذا التوجه تجارب سابقة لشراء الأدوية، وأيضاً يواكب التوجهات الإيجابية الجديدة لتوحيد المشتريات العسكرية، وغيرها من المجالات.
أيضاً الاهتمام بهذا الموضوع تدعمه الغيرة على سمعة بلادنا، فالذي يرى إقبالنا على الشركات الاستشارية، ويرى أيضاً مستوى الموارد البشرية التي تقدم لنا كـ(خبرات عالمية متميزة)، ربما يتوقع أننا بلدٍ يتلمس بداية المشوار لتأهيل الكوادر البشرية.
المطلعون على مخرجات هذه الشركات، بالذات العاملون السعوديون في قطاع الاستشارات الذين أصبحت تلجأ إليهم الشركات (مقاول من الباطن!)، وأيضاً بعض المسؤولين في القطاعين العام والخاص، هؤلاء يبدون أسفهم على تراجع سقف الجودة والطموح، والمؤشر: أن نحتاج مثل هذه الشركات وبهذا المستوى الهزيل من المخرجات.. يأسفون لأننا في بلد كان السباق لاستثمار المبلغ الكبيرة لتأهيل أبنائه في أرقى وأهم مؤسسات التعليم في العالم منذ خمسة عقود.
بعد هذا التاريخ الممتد والموارد المالية الوطنية الكبيرة للتأهيل، وأيضاً مع وجود الخبرات الوطنية المتخصصة والمؤهلة، سواء التي على رأس العمل، أو خرجت في التقاعد، بعد هذه المعطيات الإيجابية نرى هذه الإقبال الكبير على الشركات الاستشارية العالمية.. ما هو عذرنا؟.
يقول المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبًا
كنقص القادرين على التمامِ!