د. محمد عبدالله العوين
خلال أربعين عاماً من رحلة عملي في الإعلام بين إذاعة وتلفزيون وصحافة التقيت بمئات من الشخصيات الأدبية والفنية والعلمية المشهورة من رجال هذا الوطن العزيز ومن الوطن العربي.
لا أعلم لم أصبحت متخصصاً أو شبه متخصص في برامج «الحوار» منذ عام 1400هـ إلى أن ودعت العمل الإذاعي والتلفزيوني؛ ولكنني وجدت نفسي أتنقل من برنامج حواري إلى آخر، وهذا يعني أنني اضطررت إلى اصطياد ضيوف مناسبين للحوار معهم والخروج منهم بآراء تكشف شخصياتهم للجمهور مستخدماً أساليب مختلفة لا تخلو من المكر والمخاتلة - أحياناً - لجرهم إلى منطقة الاعتراف بالرأي.
ولئن بثت تلك اللقاءات مع المشاهير واطلع جمهور المستمعين والمشاهدين على ما استطعت الوصول إليه من كشف أولئك النجوم؛ فإن ما لم يبث أو يدون في الحوارات من الانطباعات الشخصية والمواقف والقصص أكثر وأهم بكثير مما التقطه ما يكرفون الإذاعة أو دونته الكاميرا أو حبرته الصحيفة.
ما لم يقل أو يكتب أكثر تشويقاً وأعذب حديثاً وأمتع قصصاً من المعلوم الذي ظهر للناس، ذلك أن جل النجوم والمشاهير يظهرون للناس الجوانب الرسمية في شخصياتهم ويسعون إلى التكتم على الجوانب العفوية الجميلة والآراء الذاتية الشجاعة الأقرب إلى الحقيقة من الأحاديث الرسمية التي يغلب على كثير منها المجاملة أحياناً أو مراعاة حساسية المجتمع من بعض القضايا المثارة في الحوارات.
وقد نشرت في كتابي «مواجهات» الجزء الأول نص أربعين حواراً مع نخبة مختارة من النجوم موثقاً بالصور، وانتهيت من تفريغ حوارات الجزء الثاني؛ ولكنني لم أفرغ لنشره، وهو موثق بالصور أيضاً، وقد عاد إلى الجزء الأول باحثون أكاديميون قي القضايا التي مستها الحوارات، أو في الشخصيات المستضافة.
ولدي نية في تدوين «العفوي» مما لم ينشر عن تلك الشخصيات الشهيرة، والملاحظات التي التقطتها في أثناء اللقاءات، والانطباعات الشخصية التي التصقت بذاكرتي عنهم، أي أنني سأعيد استرجاع لحظات تلك الحوارات وما تم فيها وكيف تكونت الصورة الذهنية في وجداني عن كل واحد منهم، والمواقف الغريبة أو المفاجئة أو المثيرة للتعجب عند بعضهم مما لا يعد محسوباً في باب «المجالس أمانات».
حدث مثلاً أن أحدهم تم «جرجرته» في «بين ذوقين» مع الطرف الآخر الذي يتناقض معه في آرائه جملةً وتفصيلا واندفع وتحدث وسررت بالمواجهة الساخنة والجميلة والمثيرة أيضاً بين الضيفين؛ لكن «أحدهم» دبَّ إليه القلق من آرائه فاتصل بوكيل الوزارة طالباً التسجيل الكامل للحوار، ثم أرفق خطاباً طلب فيه حذف ما خشي منه!
كثيرون لا يظهرون كما هم؛ وإنما كما يريدهم المجتمع، وفي الكواليس وما لم يدون الأجمل والأجدى بالبث والنشر!
وحدث أن «أحدهم» انتظر الضيف الثاني في بهو الاستقبال وانتظرت معه قدوم الشخصية الأخرى الساعة الرابعة عصراً في بهو الاستقبال بالإذاعة؛ لكنه حين علم باسمه فرَّ هارباً غاضباً ملقياً باللوم علي لاختياره هذه الشخصية للحديث معه!
يتبع..