مها محمد الشريف
رغم كل التحولات اليوم لا بد من الاشتغال على الأنشطة التعليمية التكوينية التي تعتبر كفايات منهجية وتواصلية وثقافية، حتى يرتقي الفرد من مرحلة الاستئناس بالعلوم المنهجية إلى مرحلة التعرف على فلسفة العلم الكلي والأسباب، وتعميق وعيه بذاته وتقبل الآخر على نحو يقظ وبناء مواقف واعية وإيجابية، أو يبقى رهنا لزمن لا يتغير، وتظل ذكرياته مترابطة حسب خواصها العارضة، فالإشكالية الأساسية في عدم اكتمال الإنسان هو نقص ذكاء الحياة الخارجية التي يصعب تحويلها إلى منتوجات إبداعية.
وتصعب معها تغير المجتمع حتى وإن تغيرت الكلمات والمصطلحات، وستظل طبقاً لمكوناته الشخصية وحاجاته ورغباته محفورة في أعماقه. ولذلك نقول لن يتطور مفهوم العصرنة بغايات ووسائل المجتمع وهو غير قادر على استيعابها، بمعنى أن العزلة بقيت ردحاً من الزمن عائقًا أمام الوعي بالذات، فليس من السهل أن ينام ويصبح الإنسان في رحاب حياة ذات فاعلية وإبداع يتحدث بكلمات ومصطلحات جديدة منها الفلسفية ومنها العلمية التقنية لم يعرفها في دراسته قط إلا في كتب الفلسفة المحظورة في مناهجنا التعليمية.
بالإضافة إلى الوسائل التقنية والتكنولوجية الحديثة التي تمثل الأمن السيبراني وتفاصيل عن الجهود المشتركة للقطاعين الخاص والعام، والتي تهدف إلى أنظمة المعلومات وتمتين الخصوصية وحماية سرية المعلومات الشخصية واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لحماية المواطنين والمستهلكين من مخاطر الفضاء السيبراني.
وهكذا، نضحت هذه المعلومات الثرية والاستثنائية مع جيل نخبوي جديد قد يكون بعيد عن الشارع السعودي، علما أن تخصصات الحاسب الآلي في الجامعات مناهج ليست بالحديثة ولا تواكب العصر المتطور من أنظمة المعلومات، فالمسافة شاسعة بين المجتمع والمواكبة. لذا، يجب تهيئته عبر قنوات التعليم والمهن التقنية ووسائل الإعلام.
وهناك بعض المداخل في حاجة إلى تعزيز القدرة على تحويل جزء من الواقع إلى معالجة لتتمكن من الإصغاء إلى خطاب منظم ويقظ وأنشطة تعليمية تكوينية تجيد معرفة المكتسبات الفلسفية وتطوير استخدامها لتقنيات التواصل الحديثة على المستوى الإنساني وتصبح (أنسنة الإنسان ومنها إلى أنسنة المدن فهي كلمات يجهلها الكثير وليس البعض، لأنها مأخوذة من الفلسفة التي تفتقر إليها مدارسنا وجامعاتنا.
فالإنسان يأخذ قيمة خاصة عندما ينظر إليه كشخص، أي بوصفه ذاتا حقوقية تبحث في المتاح والسائد المشرّع وفي نفس الوقت يخضع للواجب حسب فلسفة «كانط»، فكيف يُطلب من الإنسان أن يصنع نفسه وفق الآخرين في دول العالم وهو مقيد بعلاقات الضرورة دون تعزيز القدرة على تحويل المكتسبات لقضايا متصلة بحياة المتعلم.
أيا كان العالم من حولنا لن يوفر للفرد الوحدة المطلوبة فالمجتمع يفرض عليه أن يلعب عدة أدوار في وقت واحد، وهذا يمحو بلا شك الوحدة حتى تجده لا يستطيع حيازة حقوقه، ويطلب منه أن يكون أكثر حيوية ودينامية وتحولا، وأن يمارس تحمل مسؤوليته أمام التحول والأخلاق الشكلية وهو باستمرار يغذي القلق.
ويتأكد هذا المعنى، في بناء القدرات والإمكانات اللازمة التي تحتاجها العقول الواعية من النخبة وإدراك أهمية أهداف التحول والرؤية ومواجه التحديات وتفعيل مفهوم باقي أطياف المجتمع لتشمل مشاركة القطاع الخاص والتنفيذ وتقييم الأداء، والاستعداد لهذا التنوع وجعلها منسجمة مع حياتهم ومواقفهم.
نلاحظ إذن، أن بحثنا عن جوهر الموضوع ليس بمعزل عن الإشارة إلى تهيئة مستوى التعليم وجودته، ليكون الفرد والمجتمع جاهزين لهذا التحول الكبير وقانون التطور ومن ثم فإن التواصل العقلي والثقافي يحتم فتح الأبواب على العالم، لمعرفة خريطة طريق أنسنة المدن السعودية بشكل يتماشى مع «رؤية المملكة 2030». وهذا التحول التاريخي والتبادل الكوني في مجتمع تقليدي يتطلب تعاقدات إلزامية بين الفرد والجماعة والسلطة، ومن ثم مواكبة إطلاق برنامج «جودة الحياة 2020» الذي يرسم أيضا خريطة طريق شاملة ومتكاملة للارتقاء بالمدن بالمملكة إلى مصاف المدن العالمية الجاذبة للسكان وحياة ملائمة لنشأة كل القيم الإنسانية، ولكي يكون الخطاب مؤثرًا بجميع الصيغ الجديدة لا بد أن يكون المناخ متكافئًا مع الروح العامة.