سعود عبدالعزيز الجنيدل
هل يمكن أن تسمع أو ترى أو تقرأ شيئاً من شخص ما وترى خلافه؟!
أصدقكم القول «نعم» وكثيرًا ما يحصل هذا، فترى البون شاسعًا بين القول والقائل، بين الكاتب والمكتوب... بمعنى أن يطرح شخص ما فكرة ويطالب الآخرين بالتحلي بما قاله، وفي حقيقة الحال تجده أبعد ما يكون عما يطالب به.
ويبدو أن هذا الحال موجود في اللغة ذاتها، ألم يتكلم اللغويون عن ظاهرة الأضداد، وكون الكلمة قد تحمل معنيين متضادين، مثل «القرء - كثب - جلل...»، ولكون هذه المقالة ليست تخصصية في اللغة، فسأعرض بعض النماذج من الحياة العامة، فإذا كنت أحد هذه النماذج، فيؤسفني إبلاغك أنك من «الأضداد» وكتلة من المتناقضات!
النموذج الأول
من يطالب ابنه بعدم الكذب، ولا يفتأ ينصحه مراراً وتكرارًا، وحينما يأتي شخص لرؤيته أو يتصل عليه يطلب من ابنه إخباره «قل له غير موجود». فهذا كتلة من المتناقضات.
النموذج الثاني
من ينصح الآخرين -مثلاً- بعدم شرب الدخان، وتجده يدخن بشراهة. فهذا كتلة من المتناقضات.
النموذج الثالث
من يقدم دروساً ومواعظ عن الأمانة، وتحمل المسؤولية، ومراقبة الله في الأعمال، وتجده لا يتورع عن السرقة، وأخذ الرشاوى، فهذا كتلة من المتناقضات.
النموذج الرابع
من يطالب الآخرين بالتحلي بالأخلاق الرياضية، وعدم التعصب، وتسمع مداخلاته المليئة بالتعصب وانتقاص الآخرين، فهذا كتلة من المتناقضات.
النموذج الخامس
من يقترح على الشباب ممارسة مهن معينة، ولا يرى فيها انتقاصًا لهم، ولا يقبل أن يمارس تلك المهن أبناؤه، فهذا كتلة من المتناقضات.
النموذج السادس
من تراه محافظاً على نظافة ملبسه، ومسكنه، لكنه لا يتورع عن إلقاء المخلفات هنا وهناك، فهذا كتلة من المتناقضات.
النموذج السابع
من يدرس تخصصاً يهذبه، ويعلمه الأخلاق الفاضلة، ويزوده بقيم عليا، وفي الامتحان لا يرى مانعًا من الغش في هذه المادة، كي يحقق نسباً عالية، فهذا كتلة من المتناقضات.
ولو ترك المجال لوصلت النماذج إلى عدد كبير، وأعي تماماً أن لديكم نماذج أخرى غيرها، نماذج تصور تناقضات الآخرين، نماذج لأشخاص نراهم كتلة من المتناقضات.
أؤمن من وجهة نظر متواضعة أن الخطأ لا مناص منه، وقد يغتفر، ويقبل من المرء، ولكن ما لا يقبل ولا يوجد مبرر له أبداً، أن تطالب بشيء وتفعل ضده!، فوقوعك في الخطأ أهون بكثير من أن تنصح غيرك، وتنسى نفسك!.
لا أدري لما طرأ لي قول القائل:
لا تنه عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ
عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتَ عَظيمُ