د. منى بنت عواد الخطابي
تخيل أن يتم قبول طلاب لا يقرؤون أو يكتبون في قسم الأدب بكلية اللغة العربية، أو طلاب لا يميزون بين عمليتي القسمة والضرب بقسم الرياضيات في كلية العلوم، أو طلاب لا يعرفون من فيثاغورس سوى اسمه في كلية الهندسة. كيف يمكن للكليات المذكورة أعلاه التعامل مع هؤلاء الطلبة وردم الفجوة بين الأساسيات التي يحتاجها التخصص وبين مستوى المخرجات المطلوبة من خريجيها؟
قد يبدو الأمر غريبا أو ضربا من الخيال ولا يمكن تصور حدوثه، لكن... أليس هذا ما يحصل في كليات علوم الحاسب والمعلومات؟
نعم، وللأسف هذا ما نواجه اليوم فالطلاب الملتحقون بتخصصات الحاسب لدينا يفتقرون إلى أساسيات التفكير المنطقي ومهارات التحليل والبرمجة والتي تعتبر اليوم من أهم المهارات التي يجب أن يكتسبها الطالب في التعليم العام شأنها شأن مهارات القراءة والكتابة والحساب.
رغم ذلك ورغم ما تعانيه كليات علوم الحاسب والمعلومات وما تبذله من جهود مضاعفة لردم الفجوة المعرفية لدى طلابها المستجدين دون أن يؤثر ذلك على جودة مخرجاتها النهائية، رغم كل ذلك نجد أن طلاب جامعاتنا المحلية يتميزون في المحافل الدولية مقابل نظرائهم من طلاب الجامعات العالمية، فتخيلوا الإنجازات الوطنية التي يمكن أن يحققها أبناؤنا لو توفرت لهم المهارات المطلوبة منذ نعومة أظفارهم.
اليوم محو الأمية ليس مقتصرا على تعليم القراءة والكتابة فالمهتمون في هذا المجال سيلاحظون ظهور مصطلحات جديدة لمحو الأمية في القرن الواحد والعشرين مثل (Information Literacy-Multiliteracies- New Literacy - Digital Literacy) وغيرها والتي يجمع بينها التأكيد على أن محو الأمية في القرن الواحد والعشرين يجب أن يشمل اتقان استخدام التقنيات الحديثة في الوصول للمعلومات وتقييمها وتحليلها والاستفادة منها بطريقة فاعلة، بالإضافة إلى القدرة على صناعة المحتوى الرقمي ونشره وتبادله.
لكن يجب التأكيد بأن المقصود من ذلك ليس تدريس الطلاب على كيفية التعامل مع البرامج المكتبية الأساسية أو طريقة استخدام التطبيقات لبناء عروض تقديمية على سبيل المثال بل المقصود تدريبهم على أساسيات التحليل وبناء الخوارزميات واستخدام أجهزة الحاسب لبناء برمجيات تساعد في حل إشكاليات قائمة.
كما يجب أن نؤمن أيضا بأن تعليم الأطفال أساسيات الحاسب الآلي منذ السنوات الأولى للدراسة مهم من ناحيتين: أولا لأن تدريس الحاسب يساعد الأطفال على بناء طريقة التفكير المنطقي والتحليل وحل المشكلات. والناحية الثانية هي تعويدهم على أن يكونوا منتجين للتقنية بدل كونهم مستهلكين فقط وهو مايشكل تهديدا اقتصاديا ومعرفيا مستقبليا في ظل الاعتماد المتزايد على اقتصاديات المعرفة.
والحل بالتأكيد يجب أن يقع على عاتق المسؤولين عن التعليم العام، فاليوم من غير المقبول الاكتفاء بمبادرات وقتية تستهدف شريحة معينة من الطلاب والطالبات بل يجب وضع إستراتيجية وطنية متكاملة بعيدة المدى لبناء المهارات اللازمة في هذا المجال والتي يجب أن يتقنها ويتمكن منها خريج التعليم العام. فهذه ابسط متطلبات المرحلة وضرورياتها حتى تساهم مخرجات التعليم في بناء جيل جديد قادر على مواكبة رؤيتنا الطموحة، فاليوم لم يعد الهدف فقط ردم الفجوة المعرفية للطلاب الملتحقين بكليات علوم الحاسب والمعلومات.
لكن هل سيكون تحقيق ذلك عن طريق إضافة مقررات دراسية لطلابنا وطالباتنا وزيادة عدد الكتب المدرسية في حقائبهم؟
أترك الإجابة للقارئ الكريم وللمسؤولين عن التعليم العام بوزارة التعليم.