زكية إبراهيم الحجي
عند تقليبنا لصفحات التاريخ القديم والحديث نقرأ سطوراً عن ماضي البشرية وحاضرها امتداداً لمستقبلها.. هي سطور ظاهرها لا يزيد على أخبار لكن باطنها نظر وتحقيق على حد تعبير «ابن خلدون» فابن خلدون كان يولي الظواهر التاريخية اهتماماً بالغاً.. خاصة تلك التي تتعلق بالنواحي السياسية.. منهجه في ذلك النقد والتمحيص والتدقيق والرفض والقبول.. ومن ذلك الأساطير والخرافات التي تعتمد عليها السياسة في تأويلها وتزييفها للتاريخ والأحداث والوقائع وحتى الحروب العسكرية.. فهو لم يكن بمعزل عن المتغيرات والأحداث السياسية، بل كانت من أبرز اهتماماته كما ورد في مقدمته إن من يقرأ في تاريخ الفكر الفلسفي يجد أن الأسطورة السياسية قديمة قدم المجتمعات.. فكتبُ أوائل الفلاسفة في مختلف العصور لم تخلُ من الأساطير السياسية عند الحديث عن السياسة فمثلاً هناك القصة الفينيقية التي أوردها أفلاطون في كتابه «الجمهورية» قصة تحمل طابعاً أسطورياً ومما جاء في أسطورة أفلاطون الفينيقية قوله: «إن كل البشر هُذبوا وثُقفوا في جوف الأرض حيث طبعوا أسلحتهم وأدواتهم وكمُل تهذيبهم وحين ذلك ولدتهم أمهم «الأرض»وقذفت بهم إلى سطحها فعليهم أن يصدوا عنها الغزاة.. إلى آخر ما جاء في هذه الأسطورة التي لا تبعد على أن تكون من الخرافات الفلسفية التي لا يصدقها عقل حكيم.
وعلى الرغم من أن الأسطورة نتاج ثقافي يعبر عن نفسية الشعوب وتفكيرها ومدى اتساع الخيال لديها إلا أن المبالغة في رواية أحداثها وما ينطوي على تلك المبالغة من خلفيات وأبعاد غير آمنة كالتزييف والتحريف والتأويل خاصة إذا خاضت في مجال السياسة فإن ذلك يجعلها أشبه ما تكون بطرق صناعة السلاح فهي وإن كان ظاهرها أسطوري فإن في باطنها نزعة عسكرية.. نحتها أولئك الذين يعمدون لفبركتها بعناية ومهارة بالغة مستخدمين لغة الظلال السحرية للكلمات ومعانيها ثم يضعونها تحت تصرف أساطين وسائل الإعلام وذلك لاستقطاب المشاعر الانفعالية عند الشعوب.
إن الحديث عن تاريخ الأساطير السياسية على مر العصور المختلفة واسع حيث أضحت الأسطورة السياسية السمة الغالبة لفلسفة السياسة ولعلي أُعرج في عجالة على بعض الأساطير التي وُظِفت لخدمة السياسة.. فمثلاً كان للأسطورة دور في خدمة السياسة الإسرائيلية والذي كانت من الضروري في نظرهم لتكتمل عملية التعمية والتمويه هو استخدام كلمة ذات مدلول لاهوتي «الهولوكست» لإضفاء طابع التضحية وإدانة النظام النازي وزعيمه هتلر والمتعاونين معه.
كذلك لا بد من الإشارة إلى أن الدولة العثمانية اتكأت على الأسطورة في صراعاتها التاريخية فلجأت إلى أسطورة «التفاحة الحمراء» أو كما يطلقون عليها «قزل ألما» وتعني أن مدينة القسطنطينية هي التفاحة الحمراء التي تنتظرهم لتفتح العالم أمام تدفقهم العسكري لبسط نفوذهم العثماني.. وهكذا نجد أن النزعة الأسطورية تتبدى في مجال السياسة والحروب العسكرية خاصة خلال فترات الاضطرابات ومنعطفات التغيير.. وأمثال هذه الأساطير قادت ملايين الألمان إلى الموت في جبال روسيا الثلجية وصحاري شمال أفريقيا الموحشة.