ميسون أبو بكر
من كان معلمك أيها المعلم، هكذا سأل تلميذ أستاذه، فأجابه: المئات من المعلمين، لكن في الواقع كان هناك ثلاثة تعلمت منهم أكثر من غيرهم..
اللص الذي كانت جملته: لم أوفق بشيء هذا المساء، لكنني إذا شاء الله سأعاود المحاولة في الغد، فقد كان ذلك يمنحني القوة على المتابعة.
والكلب الذي هاجم ظله بإلقاء نفسه في النهر، فكان أن اختفت الصورة وانتصر على خوفه.
ثم معلمه الثالث ولدا يحمل شمعة بيده، وعندما سأله المعلم من أين جاءت النار التي أشعلت الشمعة؟
ضحك الصبي وأطفأ الشمعة ثم سأل المعلم: هل تستطيع أن تخبرني يا سيدي أين ذهبت النار؟
فأدرك المعلم أن الإنسان مثل تلك الشمعة، يحمل في قلبه نار الحكمة للحظات معينة، ولكنه لا يعرف إطلاقاً أين أشعلت وبدأت، ثم من ذلك الوقت أيقن أن النار يمكن أن تتوهج إن احتاج إليها، فكان تلميذ الحياة الذي تعلم من كل شيء حوله.
افتتنت بتلك القصة التي يستهل بها الروائي البرازيلي باولو كويلو رواياته المترجمة إلى العربية التي تحتل الأكثر قراءة في العالم، فكانت عبارات الحكمة التي برع باقتناصها وإدراجها ضمن رواياته مثل خارطة طريق في الزمن الصعب.
سواء كانت هذه العبارات مستوحاة من التراث العربي أو الإسلامي كما قال بعض الباحثين أو أنها من خلاصة فكره فإنها تجعل من الرواية ذات قيمة مضافة.
الأدب اليوم في زمن الفضاء الإلكتروني وفي إيقاع الجيل الجديد وفي زمن الرموز الإلكترونية يعاني من أزمة حضور ترتقي بالذائقة، ولا تشكل إلا فقاعات سريعة التبخر قليلة التأثير.
المكتبة التي تقبع أمامي اللحظة وأنا أكتب هذا المقال أشعر بالقلق على مستقبلها ومستقبل صناعة الكتاب وحضوره.
في زمن مضى كانت الكتب ميراثاً غنياً وثميناً فهل ستبقى لها تلك القيمة في عصر الذكاء الإلكتروني الذي يشكل لي شخصياً رعباً يترصد بأفكاري وقراءتي للمستقبل؟
في الزمن العذب كان للكلمة حضور وتأثير ووقع يهز عالمنا ويدغدغ مشاعرنا، وكان للأديب والشاعر مكانة تجعل منه قيمة مجتمعية لها هيبتها، فهل تحمل عزيزي القارئ ذات الهواجس والقلق الذي أحمله؟
ذهب المتنبي تاركاً إرثاً ثقيلاً من الشعر والحكمة يذكر به بعد عقود، ورحل غازي القصيبي وظلت في ذاكرتنا ومكتباتنا ومناهجنا حرفه وفكره، ورحل محمود درويش تاركاً فلسطين قضية أبدية تنبض بها قصائده وننشدها كما ترنيمة عذبة تجعل فلسطين قضيتنا الأولى الحاضرة وإن غاب محمودها، فالأدب هو الشراع الذي يقلنا من ميناء إلى آخر، نرتوي حرفه، ونسعد بالحكمة بين سطوره ونرتقي بالفكر، وهو الهوية الأولى للغة والعنوان الأرقى لأرواحنا، فأهلاً بالمستقبل الذي يحمل أنفاسنا وأرواحنا وفكر من مضوا في رحلته.
وكما يقول باولو كويلو: «إن أردت أن تحقق شيئاً ما فإن العالم كله سيساعدك في تحقيق رغباتك».