ياسر صالح البهيجان
رغم أن التغيّر سنّة كونيّة تجري يوميًا ابتداءً من تعاقب الليل والنهار، ومرورًا بحركة الإنسان زمانًا ومكانًا، إلا أن التغيّرات الاجتماعيّة تعد الأكثر تعقيدًا لتلازمها مع العادات والتقاليد والموروث، وعادة ما تستصحب التحولات المجتمعية إعادة تقييم للإرث بأبعاده كافّة ومراجعة مدى صلاحيّته للوضع الراهن وإلى أي مدى يمكن اعتباره معوقًا للتطور والتقدم.
ومن أكثر مفاهيم الإرث تقويضًا لحالة النمو الاجتماعي ما يُعرف بـ»سلطة العيب»، وهي أداة ثقافية عمياء غير مراعية للظروف والتحولات وإنما تنطلق من رؤى تقليدية عتيقة ذات بُعد إقصائي وتصنيفي وازدرائي، ومعها يلعب «العيب» دورًا تحجيميًا يروم مجابهة التغيير والإبقاء على النمط السائد حتى وإن أثبت ضعف كفاءته في الانسجام مع الواقع.
وأكثر ما يتشكّل «العيب» في علاقة المرأة بالمجتمع، ما يدلل على أنه جزء من إنتاج الثقافة الذكورية المتنمرة على الأنثى بوصفها كائنًا لا يحمل الأهليّة التامة للاستقلال بذاته، لذا يحدد العيب ما على أفراد المجتمع القيام به وما عليهم الامتناع عنه، وذلك التحديد لا يتأسس على منطلق أخلاقي، وإنما على مبدأ اجترار الماضي بوصفه مرجعيّة لا يجوز تجاوزها أو التمرد عليها، ومن هنا كان «العيب» وسمًا للركود الاجتماعي ومحرضًا عليه.
إشكاليّة «العيب» أنه يظهر بوصفه النموذج الأمثل للحفاظ على منظومة القيم المجتمعيّة، رغم أنه يحمل في ثناياه قيم التعنصر والتحزّب وازدراء الآخر، ويحمل أيضًا الفيروس الأكثر خطورة وهو التخلف عن اللحاق بركب التطور والتقدّم، واعتبار النمو سمة سلبيّة تنافي جوهر المجتمع وتمس كيانه وقوانينه.
ما يبعث على الاطمئنان أن فئة الشباب على المستوى العالمي هي أكثر الفئات قدرة على تجاوز ثقافة «العيب» وإحداث تحولات جذرية تطال جميع أجزائه وقد تصل إلى حد تفتيته وإعادة بنائه وفق مقتضيات جديدة تناسب متطلبات المرحلة، والمملكة تحفل بنصيب وافر من الشباب في تركيبتها السكانيّة، ما يجعل إمكانية كسر نسقية «العيب» ممكنة، ومتى ما كُسرت تلك الثقافة يصبح التغيير الاجتماعي الذي كان عسيرًا بادئ الأمر شيئا يسيرًا.