فهد بن جليد
كل صورة تشاهدها اليوم (من سبعينيات أو ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي) تعكس لك حقيقة حياة صاحبها وتفاصيلها في تلك الحقبة الزمنية، وقد تعتبر وثيقة ذكريات، تحدثنا بكل ظروف التقاطها، وما يحيط بها، بينما المتوقع علميًّا أننا نعيش الآن مرحلة (غيبوبة رقمية) لجيل اليوم؛ فلا يمكن أن نعتبر كل ما يعرض ويوثق عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحياتنا وذكرياتنا اليومية أمرًا حقيقيًّا أو وثائق تعكس الواقع إذا ما علمنا أن أكثر من نصف المتعاملين مع هذه الوسائل يكذبون بشأن يومياتهم بنشرهم صورًا وأحداثًا، تجعلها أكثر إثارة أمام المتابعين بشكل مبالَغ فيه؟!
غالبًا يتم توثيق تلك المشاهد والصور التي نلتقطها اليوم للتجمُّل أمام متابعينا، ونحتفظ بها على أنها ذكريات حقيقية، بينما هي خلاف ذلك؛ لأنها شوهت الذكريات بالفعل، وجعلتها في طي النسيان. يمكن هنا الرجوع إلى دراسة علمية تؤكد تصديق نحو 68 % من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لذكرياتهم الكاذبة التي ينشرونها، ونسيانهم الأحداث الحقيقية التي مروا بها وعاشوها، بحسب موقع (بينكوراج). وكذلك دراسة أخرى، تتفق مع هذا المفهوم، نشرتها البوابة العربية للأخبار التقنية عن (كاسبرسكي) عندما كشفت أن واحدًا من بين كل عشرة مستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي يحرف الحقيقة للفت الانتباه، والحصول على إعجاب المتابعين، والتظاهر بحياة مثالية وناجحة. هذا الأمر جعل ذكريات نسبة كبيرة من الناس ممسوخة، وما يملكونه من صور ومقاطع وضحكات وتعليقات (غير حقيقية)؛ لأن الذكريات الحقيقية لم تسجل بشكل طبيعي، ولم تحفظ أصلاً.
طاعون الكذب ينتشر اليوم بيننا أكثر من أي وقت آخر عرفته البشرية؛ وذلك بفضل السوشيال ميديا.. فمن يملك مئات الألوف من المتابعين والمعجبين، ويظهر بأفضل صور العلاقات والمشاركة الاجتماعية الواسعة، قد يعاني من وحدة عظيمة، وأزمات نفسية كبيرة، ويعود إلى داره نهاية كل يوم وهو غير سعيد, بينما حسابه الاجتماعي مليء بالأحداث والضحكات والنجاحات الزائفة..!! لننظر إلى حقيقة كشفتها دراسة لجامعة ماساشوستس الأمريكية، عندما أثبتت أن 49 في المائة من عينة البحث يكذبون، ولا يستطيعون قول الحقيقة مطلقًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعكس عندما يُطلب منهم ذلك وجهًا لوجه؛ وهو ما يدل على أننا أمام مشكلة، تتفاقم أكثر فأكثر.
كل ما سبق يؤكد ضرورة أن نجعل وسائل التواصل الاجتماعي عاكسة لحقيقتنا وحقيقة أبنائنا كما هي دون تزييف، ونحثهم على ذلك؛ حتى نكسب أنفسنا وذكرياتنا بعيدًا عن أزمة فقدان الذاكرة الرقمي التي يعيشها الكثيرون من حولنا دون أن يشعروا بها!
وعلى دروب الخير نلتقي.