محمد آل الشيخ
كنت أقول وأكرر أن الديموقراطية هي بمثابة الحصان، والمجتمع بمثابة العربة التي يجرها الحصان، ومن أجل أن يستطيع حصان الديموقراطية أن يجر المجتمع أي مجتمع للسير في الطريق بيسر وسهولة وأمن، يجب أن تكون العربة بكامل أجزائها متماهية موضوعياً للقيام بهذه المهمة؛ وعندما تكون عربة المجتمع ينقصها أو بلغة أدق ينقص أجزاؤها كثيراً من المكونات والمؤهلات المدنية، فقطعاًَ ستُرهق الحصان، وتنتهي العملية ليس إلى التوقف، وانما إلى القهقرى.
كما أن الديمقراطية نبتت وتجذرت وترعرعت ونضجت في مجتمعات غربية، وهي مجتمعات تملك من المؤهلات ما يجعل الديمقراطية تنجح، أما في بلاد بني يعرب، فهناك فكرة (الجماعة) الموروثة، التي تعد (الفردانية) ضرباً من ضروب الأنانية، وخرماً من خوارم المروءة، أو هي من (الصعلكة) المذمومة والمعيبة، وبذلك أصبح من يتمرد على العشيرة أو القبيلة أو الأسرة الكبيرة أو المذهب أو الطائفة هو صعلوك، لذلك فمن أجل أن تصبح إنساناً سوياً، ومقبولاً اجتماعياً، يجب أن تضع (الجماعة) وقيمها الاجتماعية نصب عينيك حينما تتخذ قرارك في أي شأن من شؤون حياتك. لذلك فشلت، ومازالت تفشل، الديمقراطية في بلاد بني يعرب.
لبنان مثلها مثل أي دولة عربية أخرى؛ أعراف العشيرة أو الأسرة أو الطائفة أو المذهب هي التي لها القدح الأعلى في الهيمنة على المجتمع؛ فالساسة الذين طرحوا أنفسهم كمرشحين ليكونوا أعضاء في البرلمان، أتوا من سلالة أسرة، أو أنهم ينتمون إلى مذهب، أو طائفة، أما أولئك الذين يتجاوزون الإانتماء الأسري أو الطائفي، فلا قيمة لهم؛ فأنت - مثلاً - تنتخب تيمور جنبلاط، لأن أباه ورثه زعامة الدروز، وسليل أسرة جنبلاط الدرزية العريقة، وأنت تنتخب سعد الحريري الذي ورثه والده توجهاً سياسياً له اسم براق لأنه ابن رفيق الحريري، وأنت تنتخب باسيل ليس لذاته أو برنامجه الانتخابي، وإنما لأن (صهره) عون، وهذا ما ينطبق على أغلبية المتنافسين على مقاعد البرلمان؛ لاح في الأفق تكتل، أو هو توجه، يدعو إلى المجتمع المدني، وكان من الشباب، وتمثل فيه شباب لا يملكون البعد العشائري أو المذهبي الموروث، من كل الطوائف والمذاهب، رافعاً شعار (الوطن قبل الانتماء الطائفي)، وكان هذا التوجه هو بالفعل الذي يتماهى مع مفهوم (الديموقراطية) غير أن هذا التكتل لم يفز إلا بنائبين من نواب البرلمان، خدمهم في الغالب حضورهم الإعلامي، وليس حضور برامجهم السياسية المدنية.
ويجب أن نعي وندرك أن الديموقراطية ليست فقط صندوق انتخابات، لكنها أولاً، وأكرر أولاً، هي (المساواة) بين المترشحين، التي يكون فيها أفراد المجتمع (متساوين) كأسنان المشط، لا علاقة لمذهبهم أو طائفتهم أو عشيرتهم بهم حين يتنافسون، كما أن تلك المساواة ترتكز على (الفردانية) وليس الجماعة، أكانت هذه الجماعة ذات بعد قبلي أو مذهبي أو طائفي، فأعين الديموقراطية لا ترى إلا (الفرد)، ولا يهم بعد ذلك جذوره الدينية أو القبلية؛ ومن يرصد اللعبة الانتخابية في لبنان، يجد بوضوح أن الطائفة أو المذهب أساس من أسس ما يسمونه الديمقراطية هناك، بينما بينها وبين الديموقراطية مثل ما بين التحضر والتخلف؛ فرئيس الجمهورية يجب أن يكون مارونياً مسيحياً، ورئيس الوزراء مسلماً سنياً، كما لا يمكن أن تكون رئيسا للبرلمان إلا أن تكون شيعياً؛ وهذا لا يمكن أن يتواءم مع المنطلقات الأساسية للديموقراطية، فالديموقراطية يجب أن ترتكز على المساواة بين أفراد المجتمع مساواة صارمة، فإذا غابت هذه المساواة غابت معها الديموقراطية بالضرورة.
إلى اللقاء