عبدالعزيز السماري
قد تشتعل حرب مدمرة بين إسرائيل وإيران، ويكون ميدانها الأرض العربية في سوريا، وتبدو صورة قاتمة في ظل صمت أو تأييد بعض الدول المجاورة، وهو ما يفتح الباب للقراءات الثقافية والسياسية، وكيف وصلنا إلى هذه الحالة من التشرذم التي لا مثيل لها بسبب وصول موجات التطرف والكراهية والعداء والكيد المتبادل إلى أقصاها.
خلال موجات التطرف المحسوبة على التيارات السنية فتح المثقفون النار في تحليل ونقد الظواهر المتطرفة في العقل السني، والمستمدة من تاريخ الأزمات السياسية في الماضي، وساهم مثقفون عرب من المشرق والمغرب العربي في تحليل التطرف في الإرث السني، وقد نجحوا إلى حد كبير في إيقاف مبادرات الانتحار الجماعي بسبب قراءات متطرفة جداً للدين.
الغائب في موجات النقد الثقافي لظواهر التطرف كان نقد وقراءة العقل الشيعي المتطرف من خلال التاريخ ومن خلال علم النفس السياسي، والمفارقة أن بعض المثقفين الشيعة شاركوا في نقد التطرف السني، لكنهم صمتوا عن قراءة المشهد الكربلائي التطرفي، وتفسير رمزية الحسينيات والعداء السافر لرموز التاريخ العربي والإسلامي في الوصول إلى هذا الوضع الكارثي.
أؤمن أن الأسس التي انطلق منها التفسير الشيعي للدين في القرون الأولى كانت سياسية وأقل تطرفاً، ولم يكن يحمل هذا الكم الهائل من الكراهية والعداء والاضطهاد كما هو اليوم، فقد تم بناء العقل الديني الشيعي في صورته الحالية لاحقاً في قرون الظلام المتأخرة على ثنائية فريدة، هي الاضطهاد المزدوج، أو ظاهرة أقرب لسادية مازوخية، وتقوم على القيام بالأعمال التي تتضمن إيصال أو إلحاق الألم أو الإذلال بالنفس والآخر..
من أجل تبسيط هذه المفاهيم تُعرف السادية على أنها اضطرابٌ نفسي يتجسّد في التلذذ بإلحاق الألم على الطرف الآخر أو الشخص ذاته، أي التلذذ بالتعذيب عامةً، بينما المازوخية، فهي اضطراب نفسي يتجسّد في التلذّذ بِالألم الواقع على الشخص ذاته، أيّ التلذذ بالاضطهاد عامةً، وتبدو تلك الصورة أثناء احتفالات كربلاء، والتي يعذب فيها الشيعي المتطرف نفسه، أولا باللطم ثم بإلحاق الأذى بنفسه جسديا، ويشارك الأطفال الصغار في المشاهد الدموية المروعة، وينزفون الدم بكثافة من وجوههم..، وهو سلوك الغرض منه تعذيب الذات بسبب خذلان فئة في الماضي للحسين بن علي بعد خروجه على الدولة الأموية..
الجانب السادي يقوم على اضطهاد الآخر وتعذيبه بأي طريقة كانت، والآخر في الكراهية في تاريخ التطرف الشيعي هم السنة الذي تتبنى بعض فئاتهم التفسير الأموي للدين، وهو تيار سياسي أيضاً، وتظهر السادية في الأعمال السياسية الكاملة لإيران تجاه جيرانها العرب، فقد أشعلت نار الكراهية والبغضاء بين العرب للانتقام لمقتل الحسين بن علي، ويظهر ذلك في وجودها في العراق وسوريا وتهجيرها للسكان العرب السنة في سوريا والعراق، وفيما يفعله حزب الله في لبنان، وفي تحويل الحوثيين إلى خنجر مسموم في ظهر اليمن، وفي إذكاء الحروب في المغرب..
تبدو الرمزية السياسية المحملة بكل وجوه البغضاء والكراهية في نداء يا حسين أثناء المظاهرات السياسية ولطم الصدور، وهو خطاب سياسي غير مباشر، وينم عن أزمة نفسية، حيث يستطيع المرء التعبير عن مطالبه السياسية مباشرة، لكن السياسة بمفاهيمها الماضوية تم دمجها في المذهب، ولهذا تمثل الحسينيات مقرات الأحزاب التي تستمد مواقفها السياسية من الماضي، ويتصدر مشهد مقتل الحسين الرمزية السياسية في العقل الشيعي، وما زال يزيد بن معاوية الخصم السياسي المعاصر، والمتمثل في المحسوبين على التيار السني.
لهذه الأسباب يبدو المستقبل السياسي في المنطقة قاتماً، فاليد الأعلى لا شك ستكون لإسرائيل، والسبب التناحر الطائفي والمبني على أزمات سياسية نفسية مرضية في التاريخ العربي والإسلامي، وهو ما يستوجب يقظة ووعيًا جديدًا ينسف مخلفات الماضي وأمراضه عند السنة والشيعة، والأهم من ذلك فتح أبواب النقد الثقافي من أوسع أبوابه، والعمل على إخراج العقل العربي من هذه الحالة النفسية السياسية المأزومة..