إبراهيم عبدالله العمار
في سيرته الذاتية روى مالكوم إكس حياته منذ صغره، عن حياته في أمريكا، وعلّق على نسيجها الاجتماعي والأخلاقي، ومما قاله إنه كان في مراهقته يقلد الكثير من السود ويُخضِع شعره لعملية حارقة أليمة تزيل التجعّد وتُنعّمه كشعر الأمريكان البيض، وكان يتبختر بهذه التسريحة، وبعد سنين قال في كتابه ذاك أنه ندم عليها وأنه صار يزدري كل من يفعلها، لأنها علامة أن الأسود يخجل من إرثه العِرقي بما في ذلك ملامحه الإفريقية، وهذه التصفيفة عُقدة نقص ومن علامات خضوع الأمريكي الأسود للأبيض.
هذه المشكلة أكثر ترسّخاً في أمريكا، ومن أسباب ذلك عملية دماغية لا ينتبه لها الناس ولم نعرفها إلا لما فتح علم النفس أعيننا عليها هي عملية تسمى القولبة stereotyping وتعني تصنيف الناس في قوالب جاهزة، فإذا كنت تظن أنك تحكم على كل إنسان على حدة وبتفكُّر وموضوعية فأنت واهم، لأن التفكير بطريقة القولبة هو القاعدة وليس الاستثناء عند البشر، وهذا أثبِت عام 1998م في تجربة نُشِرَت في نشرة علمية في جامعة واشنطن، وفيها أتى العلماء بشيء يسمى اختبار الربط اللا شعوري، وصار أحد أهم وسائل علم النفس الاجتماعي في قياس الدرجة التي يربط بها الناس بشكلٍ مستتر لا شعوري بين صفات معينة وبين طبقات معينة من البشر.
هذه الأداة أظهرت أننا نربط بين مجموعات معينة من الناس وبين صفات وأفكار معينة حتى بدون شعورنا الواعي. الدراسات أظهرت أن الناس ربطوا الوجه الأبيض مع كلمات إيجابية مثل سلام، متعة، حب، سعادة، إلخ، بينما كان وصل التحيز ضد الوجه الأسود إلى 70% من الناس، وقد أثار هذا اشمئزاز الناس الذين اكتشفوا أنهم يتحيزون ضد السود بلا وعي. بل إنه حتى الكثير من السود أظهروا تحيزاً لا شعورياً في تفضيل العرق الأبيض في هذا الاختبار! وهذه ما كان مالكوم ليستغرب منها لو عرف ذلك، فمن المعقول حصول هذا في مجتمع (أي الأمريكي) يُبرز الصفات السلبية للأمريكان السود، وقد قال رائد علم النفس غوردن أولبورت أن التصنيفات تضفي الكثير من المشاعر والأفكار على الناس الذين تحويهم، والحكم المسبق على الناس هو تقليد بشري قديم، حتى عند الذين ينافحون عن المستضعفين، فقال أبراهام لينكون مثلاً: «إنني من أشد الناس حماساً لتفوق العِرق الأبيض على غيره». هذا وهو الذي حرر العبيد ويمدحونه لأنه ناصر السود المستضعفين!