أمل بنت فهد
بعض الخيانات تتم دون انتباه، دون ملاحظة، لأنها تمارس بنظام الخيانة الصغيرة، الخفيّة، والخفيفة، وتتكاثر، وفجأة تتحد وتتضح صورتها حين تتم المهام التي من أجلها تم تقطيعها لأجزاء كي لا ينتبه لها أحد، أو لأن المرحلة مرحلة تنظيف عامة لمنابع الفساد في المكان، لذا لا يستطيع الخائن أن يتحرك بحرية دون أن يترك أثراً يدل عليه، وتلك المرحلة غالباً تمارس في الأوطان حين يكون المخلصون مشغولين بدعم الوطن، والعمل بكد وجهد للقيام به ودفعه للأمام، فما هي الخيانات الصغيرة التي تحدث في أوج الفضائح الكبيرة التي تسحق التيارات، وتدمرها؟
ستسمع من يشكك في القرارات، بطريقة مهذبة جداً، يزرع بذور الشك ويمضي، كأنه لم يفعل شيئاً، سترى من يستميت لتقديم براهين لفشل محتمل قادم، لا أحد يراه إلا هو، وأخطر الخيانات الصغيرة، المساهمة في إفشال الأجهزة الحكومية، ومحاولة تدمير خططها للنهوض، مرة بنشر الإحباط بين الموظفين، ومرة بالتضييق على المميزين والمخلصين، ومرة بخلق عراقيل أمام المشاريع، ومرة بنشر الشائعات، لأنهم حقاً يكرهون الوطن، وكل ما هو وطني.
سترى نشر الفرقة بالتباكي على الماضي، ستشهد تعطيلاً لمصالح المجتمع، ستفهم أن هناك محاولة لتجميد المرحلة في أقل الأحوال، والخيانة الأعمق إذا تسببت في تراجع الإنجازات!
ستلاحظ أن دفع الناس المتضرِّرة إلى منصات التواصل الاجتماعية يتم بسرعة، لتنتشر إلى أقصى حد يمكنها أن تصله، لأنها عُطّلت في مرحلة ما من الجهاز الذي كان لزماً عليه أن يعالجها، لذا فإن دفع المتضرِّر إلى النشر هو محاولة لرسم صورة غير حقيقية عن الجهاز، ومحاولة للإساءة إلى الوطن بطريقة خبيثة، لأننا لو قارنا بين المعاملات التي تم إنجازها وبين المنشور على أنه ضرر، سنجد حتماً أن الجهاز يعمل دون شك، لكن في بعض الحالات التي وقعت في يد مقصّر متعمد، أو مقصّر كسول، يتم تضخيمها، ونشرها، وتشويهها.
ويمكننا أن نقلب السحر على الساحر، فكل تقصير أدى إلى نشر المتضرّر لحكايته وإثباتها للعالم، يعطينا خارطة توضح أين تم تجاهل ذاك الصوت الجريح، يجب أن لا نكتفي بحل المشكلة في الحال، بل لا بد أن يتبع الحل تتبع عميق لمسار المشكلة، ونعرف أين تم تجاهلها لتصبح «ترند» على تويتر وغيره، حينها سيعرف الجميع أن المحاسبة جزء من الحل، جزء من سمعة الجهاز، جزء من حربنا على الفساد أياً كان نوعه.
آن لنا أن ننتبه إلى الخيانات الصغيرة ونقاوم شرها، وأهلها.