إبراهيم السماعيل
لا تختلف انتخابات لبنان الأخيرة عن كل ما سبقها من انتخابات إن لم تكن هذه الانتخابات هي الأسوأ على الإطلاق، حيث كرس فيها حزب الله اختطافه لكل لبنان بقوة السلاح الفارسي وقبله بقوة وإرهاب حافظ الأسد عندما كانت قواته ومخابراته تحتل لبنان، ففي معادلة تتداول السلطة الشكلية منذ احتلال المقبور حافظ الأسد وبعده الاحتلال الفارسي للبنان يتغير الرئيس المسيحي ويتغير رئيس الوزراء السني بتغير المعادلات الداخلية والإقليمية ما عدا رئيس مجلس النواب الشيعي فإنه مسجل باسم رئيس ميليشيا أمل الشيعية شخصياً والذي برغم خسارته الحرب مع حزب الله في ثمانينيات القرن الماضي بتواطؤ كامل من حافظ الأسد مع إيران ومشروعها الطائفي الفتنوي إلا أن نبيه بري ما لبث أن انضوى تحت عباءة حزب الله وبذلك ضمن رئاسة مجلس النواب ما دام حزب الله يحكم لبنان وما دام هو على قيد الحياة.
هكذا تكون الانتخابات في لبنان عندما تجري تحت قانون مفصل على قياس حزب الله وحسب مساحة الحرية التي يقبلها ويحددها هو فقط مستنداً إلى ترهيب الشعب اللبناني بقوة السلاح الفارسي فقط، ما جرى في الانتخابات اللبنانية الأخيرة هو مهزلة أقرب إلى مسرحيات الخائن دريد لحام منها إلى الانتخابات الحقيقية حتى ولو كانت في أدغال إفريقيا، إنه مشهد انتخابي لبناني غريب لا عجب أن أغلب اللبنانيين الشرفاء قاطعوه.
يتحدث بعض المختصين بعد نتائج مهزلة الانتخابات اللبنانية عن أنها أوضحت بشكلٍ جلي انتصار المحور الفارسي الطائفي وانكسار الاعتدال السني ليس في لبنان فقط بل في أجزاء من الوطن العربي الذي تحتله إيران وأن سبب هذا الانكسار في المقام الأول هو تشرذم الغالبية السنية العربية في لبنان وعدم وجود قيادة ومرجعية موحدة لها مقابل تماسك الأقلية الشيعية اللبنانية تحت قيادة ومرجعية فارسية لا بل وصل الأمر إلى استتباع بعض القيادات السنية للمحور الفارسي كما هو الحال في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وهذا الاستنتاج في جانب منه صحيح لكنه لا يوضح الصورة الكاملة لأسباب هذا التشرذم وهذا الانكسار للغالبية أمام وحدة وقوة الأقلية الطائفية تحت قيادة فارسية، والحقيقة برأيي أن هذا التشرذم وهذا الضعف وبالتالي الانكسار ليس مرده لهذا السبب فقط إنما السبب الأهم باعتقادي هو وجود قرار دولي عمره أكثر من ثلاثة عقود يقضي بإضعاف وتفتيت وشرذمة الأغلبية السنية (على الأقل في العراق وسوريا ولبنان) وبشكل وحشي وغير مسبوق في التاريخ الحديث يضاف إليه مكر ودهاء دولي هائلين.
إن هذا الاستنتاج لا يستند إلى نظرية مؤامرة خيالية، بل يكفي تتبع تسلسل الأحداث منذ أكثر من ثلاثة عقود لنعرف أن هذه المؤامرة حقيقية وليست أوهاماً أو خيالاً.
إن التمدد الفارسي السرطاني في الجسم العربي وليس في لبنان فقط المعتمد على الأقليات الطائفية داخل كل دولة عربية لم يكن بالإمكان تحقيقه بقوة ودهاء الفرس وأذنابهم الطائفيين فقط لولا الدعم الظاهر والأهم الدعم الخفي لمشروع الفرس الطائفي في المنطقة من قِبَل الدول الكبرى، حيث إن مشروع تغليب الأقليات الطائفية وتحديداً الشيعية العميلة للمشروع الفارسي (وليس كل الشيعة) واضحٌ وضوح الشمس لكل ذي عقل، فمثلاً في العراق احتاج الأمر إلى غزو أميركي مباشر وبقوةٍ غاشمة (تحت ذرائع ثَبُت كذبها فيما بعد وأهمها كان امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل في نفس الوقت الذي كانت فيه إيران تمتلك مشروعاً نووياً واضحاً ومتقدماً ومع ذلك استمرت الدول الكبرى تفاوض إيران لعقدين من الزمان كانت أثنائها إيران تتوسع في مشروعها النووي بالتوازي مع توسعها في مشروعها الطائفي ولم تحرك الدول الكبرى ساكناً، لا يمكن لعاقل أن يقبل مقولة أن الدول الكبرى كانت غافلة عن كل هذا بينما في الحالة العراقية احتاج الأمر لساعات فقط من إسرائيل لتدمير نواة مشروع عراقي مماثل، فلماذا لم يحصل نفس الشيء مع إيران على الرغم من حالة العداء الظاهرة بين إسرائيل وإيران..؟!).. المهم أنه بعد الاحتلال الأميركي للعراق وتحطيم الدولة وليس الشعب حيث كان في العراق دولة قوية لذا وجب تحطيمها أولاً وتحطيم أي أمل لبروز قوة سنية موحدة جرى تسليم العراق للأقليات الطائفية التابعة للمشروع الفارسي (وأشدد على الأقليات التابعة وليس عموم الأقليات) لتتولى هي تحطيم ما بقي من قوى عربية سنية في العراق، إن الحديث عن أخطاء أميركية في هذا الشأن هو باعتقادي سذاجة متناهية في قراءة الأحداث، حيث إن ما حصل هو أمر متعمد ومقصود وممنهج والدليل ما جرى بعده من أحداث أبرزت الوجه الطائفي البشع في العراق وألغت أيّ دور فاعل لسنته العرب فيه.
في لبنان لم يتطلب الأمر غزوا خارجياً لاختطاف هذا البلد وتسليمه لعملاء الفرس هناك، حيث إن الدولة في لبنان غائبة وإن وجدت فهي ضعيفة جداً وبعد خديعة سحب السلاح من كل القوى المتصارعة في لبنان بقي سلاح عملاء إيران سيد الموقف تحت ذريعة المقاومة التي لم أجد أكذب منها والتي أدت في نهاية الأمر إلى اختطاف كل لبنان لصالح المشروع الفارسي كما إتضح بعد مهزلة الانتخابات الأخيرة.
أما في سوريا فقد واجه صاحب قرار تغليب الأقليات الطائفية مشكلةً عويصة تتمثل في أن أقليةً لا تتجاوز 10 % من إجمالي عدد السكان هي الدولة لذلك كان لابد من تحطيم الشعب وليس الدولة كما حدث في العراق حيث إن المطلوب ليس بقاء عصابة الأسد الطائفية في الحكم فقط إنما الأهم هو تفتيت وشرذمة وإبادة وتهجير الأغلبية العربية السنية في سوريا وهذا ما حصل حيث تم إبادة الشعب العربي السوري السني بعد التدخل العسكري الروسي الحاسم مع السماح لإيران بإدخال كل شيعة العالم لغرض هذه الإبادة وسُمِح كذلك بإدخال الإرهاب السني لنفس الغرض وليكون أيضاً ذريعةً لهذه الإبادة وهذا التهجير وسُمِح أيضاً بتشتيت مرجعيات الثورة السورية لإضعافها وسُمِح باستعمال كل أنواع الأسلحة ضد الأغلبية بل ومُنِعَ عنهم السلاح المناسب تحت حجج واهية والنتيجة كانت إبادة واقتلاع وتهجير الملايين من ديارهم واستبدالهم بشيعة موالين لإيران من كل مكان من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان وحتى من اليمن ومن إيران نفسها ليُكَوِّنوا هذا المسخ المسمى الشعب السوري الجديد.
هذه كانت بعض ملامح التآمر وبعض أسباب انكسار السنة المفتعل والمدبر.
لكن بعد قرار الرئيس الأميركي الانسحاب من الاتفاق النووي وما قد يترتب عليه من نتائج مفصلية هل يكون هذا القرار بدايةً لتغير المعادلات وإعلاناً بأن المشروع الفارسي الطائفي في المنطقة قد بلغ منتهاه وأدى الدور المطلوب منه؟؛ وحدها الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال الكبير.