عروبة المنيف
أكد قانون حماية الطفل في لائحته التنفيذية على حماية الأطفال من الاستغلال وتمكينهم من حقوقهم وعدم السماح لمن يقوم على رعايتهم من استغلالهم بهدف التكسب أو الشهرة، والملاحظ في هذه الحقبة، حقبة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وقوة تأثيرها، استغلال الأطفال من خلال تلك الوسائل بغرض التكسب، الذي أصبح ظاهرة مؤرقة تهدد الاستقرار النفسي والاجتماعي للأطفال، ومجتمعنا ليس باستثناء، حيث ينتهك الوالدان أو من يقوم على تربية الأطفال حقوق الأبناء بعرضهم أمام الكاميرات بهدف الشهرة والترويج والتسويق من أجل مكاسب مادية، ما يؤدي إلى فقدان الأطفال براءتهم وانتهاك خصوصيتهم وما يتبع ذلك من آثار سلبية. ما استدعى بعض الجهات المختصة إلى سرعة التحرك واتخاذ الوسائل الكفيلة بحماية الأطفال.
فقد أعلنت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في المملكة مؤخراً، تجريم تلك الظاهرة «ظاهرة المشاهير من الأطفال المستغلين بطريقة غير جيدة لأغراض الشهرة والتكسب»، ووضعت عقوبات للمخالفين. وعلى الرغم من محافظة مجتمعنا، إلا أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً ومطرداً في تدوين الفيديوهات اليوتيوبية للأطفال من قبل والديهم وعائلاتهم بهدف تجاري استغلالي، فقد أكدت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مطالبتها بالإسراع والإبلاغ عن أي استغلال للأطفال بغرض التكسب على الرقم 1919، وكان إطلاق الحملة الإعلامية التوعوية من قبل برنامج الأمان الأسري بعنوان «حماية ووقاية الأطفال من الاستغلال في مواقع التواصل الاجتماعي» هي الواجهة الوقائية في تلك التحركات الإيجابية، بتأكيدها على حق الطفل وحمايته من الاستغلال والتحذير من الآثار السلبية التي ستنعكس على صحته النفسية والاجتماعية.
التساؤل هنا، كيف يملك الوالدان أو من يقوم على تربية الأطفال الحق في تحويل حياة أطفالهم إلى مشاهد تبث على الهواء وصنع منهم نجوماً للميديا؟ هل فكروا بمستقبل هؤلاء الأطفال عندما يكبرون؟ وما العواقب النفسية والاجتماعية والأخلاقية التي ستحصل جراء ذلك الاستغلال؟!
لقد نشر البروفيسور جون أوتس دراسات تخص مجموعة من الأطفال واليافعين «في موضوع استغلال الأطفال» الذين يتم تصويرهم باستمرار ونشرت فيديوهاتهم على اليوتيوب، وذلك من خلال مجموعة أسسها وترأسها، أطلق عليها «المجموعة الاستشارية النفسية البريطانية للأخلاقيات الإعلامية» عرض في تلك المجموعة لائحة طويلة من الأضرار المحتملة لظاهرة استغلال الأطفال تجارياً من خلال وسائل التواصل، كان أبسطها التنمر على هؤلاء الأطفال من قبل أقرانهم يتبعها الاضطراب الذي يعانون منه والضيق العاطفي وانخفاض مستوى تحقيق الذات وفقدان الشعور بالاستقلالية والخصوصية والتعب الذهني وارتفاع مستوى القلق الذي يقود إلى حالة اضطراب القلق العام، وهي حالة نفسية طويلة الأمد يشعر فيها الطفل بقلق مستمر وبشكل يومي وتؤدي إلى عدم الراحة الدائمة وللصدمات المفاجئة وضعف التركيز والنوم.
إن موضوع استغلال الأطفال من خلال وسائل التواصل التي يمارسها الوالدان والمربون، لا تقتصر على الاستغلال التجاري بهدف الكسب المادي فقط، بل تمتد إلى الاستغلال الجنسي والاستغلال الفكري. إنها مسؤولية الوالدين والمربين أيضاً في الإشراف على الأبناء وإدارة عملية مواقع الإنترنت المتاحة لهم لحمايتهم من التعرض للمواقع المشبوهة التي تستغلهم جنسياً وفكرياً وبالتالي حمايتهم من جميع أنواع الاستغلال، فتفعيل العملية الرقابية عليهم إنما هي لحمايتهم حتى لا تستغل براءتهم وتنتهك طفولتهم.