خالد بن حمد المالك
حين كان الملك فيصل ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء أعلن للمرة الأولى في بيان وزاري بتاريخ 2 - 6 - 1382هـ عن عزم الحكومة على إدخال البث التلفزيوني إلى البلاد، وبعد عام تقريباً أقر مجلس الوزراء مشروعاً بإنشاء التلفزيون في المملكة على مرحلتين، حيث بدأ البث من محطتي الرياض وجدة بعد ثلاث سنوات من قرار مجلس الوزراء، لكن كان ذلك على قناة واحدة وبالأبيض والأسود، ويتم إغلاق البث يومياً عند الساعة الثامنة مساء، ثم توسع البث بإنشاء عدد من المحطات ليصل إلى جميع أنحاء المملكة ثم إلى كل دول العالم.
* *
تسلّم الوزير عواد العواد ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون داود الشريان تركة ثقيلة تحتاج للتعامل معها إلى جهد غير عادي، وتمويل مالي كبير، وعقل إعلامي ذي خبرة احترافية عالية لانتشالها مما هي فيه، فكان أن أصدر وزير الإعلام عواد العواد بعد شهور قليلة من توليه حقيبة الوزارة قراراً بتعيين داود الشريان مسؤولاً عن الهيئة بصلاحيات واسعة، وميزانية مفتوحة، ما جعل الأمل يعود من جديد في تغيير مسار القنوات السعودية إلى الوجهة الصحيحة، بدلاً من استمرارها في غرف الإنعاش بانتظار الموت المحقق.
* *
مضى على تسلم داود مسؤولياته ستة أشهر أو أقل، انكب خلالها على ما يبدو في وضع استراتيجية إصلاحية تدرجية، فلم يشغل نفسه بمعالجة القصور في القنوات القائمة، وإنما انصب تفكيره في التركيز على إيجاد قناة جديدة بمحتوى وشكل تتماشى مع طلب الجمهور، وتنافس غيرها من القنوات العربية المشاهدة بأرقام عالية، دون أن يغفل عملية إصلاح القنوات القائمة، ولكن ترك ذلك لوقتها، على أن تتم العمليات الجراحية لها بعد أن تكون القناة الجديدة (SBC) قد أخذت مكانها المتفوق بين القنوات العربية الناجحة.
* *
استمعت إلى كلام الوزير وكلام رئيس الهيئة التنفيذي وآخرين عن القناة، ولاحظت الثقة الكبيرة المبكرة لنجاح القناة إلى درجة أصابني الخوف من المبالغة التي اتسمت بها آراء الوزير عواد والرئيس داود، غير أن معلومات وصلت إلى سمعي لاحقاً بأن نسبة المشاهدة لليوم الأول كانت عالية جداً جداً، وبأكثر مما توقعه حتى عواد والشريان، وأن حجم الإعلانات الذي احتجزت مساحات زمنية لها جاء أكثر بكثير مما كانت عليه أي قناة من القنوات السعودية في تاريخها، وهذا الإقبال إعلانياً إذا استمر، وهذه المشاهدة إذا استمرت بهذه النسبة العالية مقارنة بالقنوات العربية الأخرى، فمعنى هذا أن التلفزيون السعودي بدأ يأخذ الطريق الصحيح.
* *
لا بد من القول إن داود الشريان إعلامي محترف، جرب التمثيل في بواكير شبابه عندما كان طالباً في الجامعة، وتخصص في الإعلام، ومارس الإدارة الصحفية والإعلامية رئيساً لتحرير صحيفتين (المسلمون، والدعوة) ومديراً عاماً للأخيرة، وعمل مديراً للتحرير في أكثر من صحيفة، وقدم برامج تلفزيونية ناجحة في أكثر من قناة، وكتب العمود الصحفي المقروء، ونال الكثير من الجوائز على برامج كان يقدمها، أي أننا أمام عقلية إعلامية قادرة على أن تصنع شيئاً، خاصة إذا أعطيت لداود المساحة المطلوبة من الحرية، وتم دعم الهيئة بميزانية تلبي هذه الطموحات، ووقف الوزير - كما هو الآن - إلى جانب هذا التغيير الاستراتيجي في قنواتنا التلفزيونية التي كادت أن تموت، لولا أنها تمر الآن ضمن الإصلاحات الشاملة التي يقودها الملك سلمان وولي عهده الأمين محمد بن سلمان بهذا الحراك المتميز.
* *
السؤال: هل ينجح داود الشريان بتحقيق ما فشل فيه الآخرون؟!