حمّاد السالمي
* كانت هذه أمنية صادقة؛ حدّثت بها نفسي وأنا أتابع بشغف كبير؛ المهرجان (الثقافي الفني الوطني الرياضي) الذي فاجأنا به (ملعب الجوهرة) الرياضي بجدة مساء السبت قبل الفارط.
* لكن.. ما الذي حال بيني وبين حضور هذا المهرجان..؟
* إنها قصة وقصة أخرى تعود أحداثهما إلى ما قبل (47 عامًا). في العام 1392هـ؛ تخرجت في معهد المعلمين الثانوي. كنت يومها أراسل المرحومة: (صحيفة الندوة)، ومن ضمن أخباري وقصصي التي أكتبها؛ ما يدور رياضيًا في الطائف، وفي ملاعب التعليم وملعب التربية البدنية التابع للقوات المسلحة. مباريات ومسابقات وغيرها. بعد التخرج؛ عرض علي زميل في المعهد وخريج معي؛ أن نقضي آخر الأسبوع في جدة. ذهبت معه في سيارته- جيب ويلز- وتركت دراجتي النارية ورائي. دخلنا جدة ورأيتها لأول مرة. سكنا في شبه فندق بمراوح في باب شريف. كان اليوم خميس. بعد عصر الجمعة، قال لي: هيا نحضر مباراة قريبًا من هنا. ركبنا أقدامنا ووصلنا الملعب- أظنه ملعب الصبان- عند الباب؛ ابتعنا لبًّا للتسلية، وأخذنا مكاننا وسط جمهور هائج. رأيت أننا نجلس وسط جمهور كله أصفر وأسود، ويقابلنا آخر كله أخضر وأبيض. إلى تلك الساعة؛ لم أكن أعرف أن زميلي وصديقي مشجع رياضي ومفتون بنادي اسمه: (الاتحاد). ولا حتى اتحاد أو أهلي. ثقافتي الرياضية كانت صفرًا. بعد دقائق؛ استقبلت الشباك عن يميننا هدفًا، فقام الكل من حولنا يصيح ويصفق بجنون، وقمنا معهم نفعل الشيء نفسه. قبل نهاية الشوط الأول؛ استقبلت الشباك عن يسارنا هدفًا، فقامت الجماهير في الجهة الأخرى تصيح وتصفق، ومن جهلي ورداءة حظي؛ قمت كالعفريت أصيح وأصفق، فما هي إلا صيحة وأخرى مني؛ حتى رأيت العصي والأشوان تكاد تعلو هامتي..! وهناك من اقترب مني يريد ضربي، والشتم والسب من كل جهة، وألفاظ أسمعها لا تكتب ولا تقال من سوقيتها. وفي التو.. نهض زميلي الاتحادي، وأحاطني بيديه، ورد عني العصي، وراح يهديء الموقف ويقول: (ما عليش.. امسحوها في وجهي. كان نايم ونسي)..! أخذني بيدي وخرجنا بسرعة، وفي خارج الملعب؛ كال لي السب والشتم على طريقته. من بعد هذا اليوم المشئوم، لم أدخل ملعب كرة قدم في حياتي، ولا كتبت عن مباراة أبدًا.
* بعد ذلك بعامين؛ أي في عام 1394هـ، كنت أحرص على حضور سباقات الهجن في القديرة بالطائف. أصور وأكتب في صحيفتي كل خميس وجمعة وسبت. تعرفت على شخصية كبيرة جدًا من ملاك الخيل. كان له اسطبل في باب الريع بالطائف. كنت أزوره قبيل السباق. في إحدى المرات؛ زرته. فأخذني إلى مربط كل خيل يعرفني عليها..! هذه فلانة بنت فلان، وأمها من الشمال أو من بادية الشام. قال لي مرة: هذه أفضل خيل تسابق غدًا وتكسب بإذن الله. أبوها من العراق. قلت له بسذاجة لا تخلو من تهكم: (أبوها حي ولا ميت)..؟ رمقني بنظرة استخفاف وغضب وقال: (فال الله ولا فالك)..! كنت في كل سباق آخر الأسبوع؛ أخص خيل هذا الرجل بتغطية واسعة في الندوة، وجاء يوم الجمعة، وكان السبق، وكنت في الميدان بكامرتي كالعادة، وفازت الخيل التي كنت عرضت صورها في الندوة، ورأيت من يلاحقني بنظرات لا تسر. خرجنا من الملز، وطلب مني صاحب الخيل الفائزة موافاته في اسطبله المعتاد في باب الريع للعشاء، فسار قبلي، وسرت خلفه بسيارتي الأولى في حياتي، وهي التي لا تكاد تحملني وحدي لصغرها. في منتصف الطريق، كان هناك ونيت حوض به مجموعة من الأشخاص بعصي وهو يحدني لأقف. وقفت مضطرًا وهو على مسافة قريبة أمامي. نزل الأشخاص متوجهين نحوي يريدون على ما يبدو ضربي وتكسير سيارتي. في هذه اللحظة؛ كان صاحب الخيل يعود بسيارته (ريوس)، فرآه أحدهم وصاح: (جاكم ألـ... يا الله بسرعة). وصلني الرجل المنقذ، ونزلت أرتجف واستفسر منه لأني لم أفهم ما ذنبي..؟ ضحك في وجهي وقال: (سلمت وسلمك الله.. هذولا... فلان زعلانين على اهتمامك بخيلي.. هيا الحق بنا). ذهب الرجل إلى اسطبله، وتوجهت إلى داري مطلّقًا رياضة الفروسية إلى الأبد، مثلما فعلت قبل ذلك مع كرة القدم. وحتى اليوم؛ لم أر مباراة لكرة القدم من الملعب، ولم أحضر سباقًا للخيل كذلك..!
* عندما تابعت مهرجان (ملعب الجوهرة) عبر التلفزة مساء السبت قبل الفارط، ندمت (ندامة الكسعي). ندمت لأني لم أكن في هذا المحفل الكبير، الذي أقيم بين يدي خادم الحرمين الشريفين في الجوهرة. كانت الوطنية بارزة في كل الفقرات بشعار كرة القدم. المباراة كانت جزءًا من كل وليست هي الكل. الحضور من رجال ونساء وأطفال ومشجعين ولاعبين؛ عبروا عن حبهم لملك البلاد برسم قلوبهم الطاهرة. الفن الموسيقي والشعبي؛ رسم أكثر من لوحة وطنية لعهد جديد مجيد في بلادنا المزدهرة.
* ليتني كنت في (ملعب الجوهرة)، لكي ألمس عن قرب؛ حجم التغيير الكبير الذي تقوده الرياضة السعودية اليوم.
* شكرًا هيئة الرياضة؛ على هذه القفزات التطويرية لرياضة الوطن محليًا وإقليميا ودوليًا.