مها محمد الشريف
هل يحق لنا أن نتساءل عن أدوار مبتورةً تختبئ خلفها ملفات في صناديق حديدية حفاظاً على مصالح الدول العظمى؟، تركت الإنسان تتقاذفه أمواج شرسة من الحيرة لا يعلم أين يستقر ومن أي السواحل يتم انتشاله، فلو أدرك الفلاسفة الكبار هذا العصر لقالوا: (أي موكب من الرذائل سيصحب حالة الارتياب هذه؟ لم يعد في الصداقة إخلاص ولم يعد يوجد تقدير حقيقي)، فالأمم اليوم تمارس منهجاً متعالياً وتحدياً خطيراً جداً بعيداً عن العلوم والفنون فهذا القرن أصبح مملوكاً ملكاً فردياً لدولة دون أخرى. وتشريعه يكافئ الأقوى فقط.
غالباً ما يتخذ الناس من الحياة الغرض الأساسي ويتركون التحديات المختلفة التي ينبغي إدخالها إلى الواقع الراهن والرؤية المستقبلية، ومع بدء شهر رمضان المبارك، ارتفعت وتيرة الجدل في فرنسا حول استقدام وزارة الداخلية نحو 300 إمام ومرشد من الجزائر والمغرب وتركيا لمساعدة الأئمة الموجودين في فرنسا لخدمة الجالية المسلمة التي يقدر عددها ما بين 5 و6 ملايين نسمة.
لا ينفك المرء ينصاع للمألوف، وهو في الحقيقة يتبع المنتجات الأكثر انتشاراً وفي الوقت نفسه لا يجد مخرجاً آخر سوى خطاب يعده الدارسون وفق تعليمات وخطوات لم يطبقوها فينصهر في مكوناتهم، ونقلاً عن صحيفة «لو فيغارو» اليمينية في كلمة نشرتها لوزيرة سابقة من أصل جزائري اسمها جانيت بوغراب التي أكدت أن استقدام أئمة من خارج فرنسا «هرطقة غير مفهومة»، خصوصاً أن الحكومات الفرنسية السابقة لا تكفُّ عن التأكيد أنها عازمة على «قطع الصلات» بين مسلمي فرنسا والخارج. وتتساءل بوغراب وكثيراً غيرها كيف أن «دولة علمانية تنشغل باستقدام أئمة من الخارج لشهر رمضان فيما تسعى الدولة لإيجاد إسلام فرنسا بدلاً من الإسلام في فرنسا، ورغم ذلك فإنها تلجأ إلى الخارج».
فمن الطبيعي أن يصادف الناس حالات متنوعة استثنائية في حياتهم تسمى طوارئ، وفرنسا سجلت أول حالة طوارئ أقرها القانون وتم التصويت عليها عام 1955، ضمن حزمة من الإجراءات التي ترتبت على حرب الجزائر في ذلك الوقت، وكانت تلك المرة الأولى في القرن العشرين التي تعلن فيها هذه الحالة، لتبدو الظروف الاستثنائية ظاهرة مشتركة بين الدول سواء كانت متطورة أو نامية.
مع هذا، فان الحالة الجزائرية تبدو مختلفة عن الحالات الأخرى مثل فرنسا في كون الدستور الجزائري يمنح سلطات أوسع للسلطة التنفيذية في التعامل مع الظروف الاستثنائية بالمقارنة مع الدستور الفرنسي وعليه تستعمل الدراسة المكثفة لفحص نظرية الأزمة مما يسجل لدى الأغلبية الامتعاض من اعتراض الحريات العامة.
ولهذا عدة اعتبارات، تحولت فيها الظواهر المحلية والإقليمية إلى ظواهر عالمية عززت كثيراً من العلاقات بين الشعوب في جميع مظاهر الحياة المادية والاقتصادية وبالمقابل تفوقت على المقومات الروحية ما نتج عنها حالات طوارئ لا تعد ولا تحصى في التاريخ المعاصر ومنها استقطاب أئمة لمسلمي البلاد!!.