دأب الأدباء والشعراء الكبار على الإنصاف والشفافية بشكل موضوعي دقيق لا يخضع لتأويلات وتوجهات متفرّعة ومتعرّجة، كتلك الآراء التي تحاملت على الشعر الشعبي دون مستند يؤيدهم في سلبية دوره، كما يزعمون! منطلقهم تخرّصات أو فوقية لا تليق أو أهداف شخصية، وهذا شأنهم، وفي المقابل كان لرموز الأدب والشعر مثل الدكتور طه حسين، والدكتور غازي القصيبي، والشيخ عبد الله بن خميس -رحمهم الله- ما يأخذ المتلقي عالياً عن الجدل العقيم في هذا الشأن، حيث حسموا هذا الأمر بتضمينه مؤلفاتهم لأهمية الأدب الشعبي (الشعر - المثل - القصة) ودوره في مناحي الحياة على تنوعها في الماضي والحاضر.
تمثّل ذلك بما جاء في كتاب الدكتور طه حسين (الحياة الأدبية في جزيرة العرب)، وجاء فيه: «معانيه وأساليبه مشبهة كل الشبه للأدب العربي القديم الذي كان ينشأ في العصر الجاهلي، وفي القرون الأولى للتاريخ الإسلامي، ذلك لأن حياة العرب في البادية لم تتغيّر بحال من الأحوال».
أما الشيخ عبد الله بن خميس، فقال في كتابه (من جهاد قلم في النقد): «هل تصورت أنه لولا ما حفظه هذا الأدب الشعبي على هذه البلاد طيلة سبعة قرون مضت ساد فيها الجهل واستبدّت بها الأمية..وانقطعت انقطاعاً كلياً عن سواها.. لولا هذا الأدب لضاع تاريخ وانطمست معالم واختلطت أنساب، وفقدت الأمة ما يربطها بماضيها ويصلها بذويها».
وقال في موضع آخر في الكتاب نفسه: «وهل تصوّرت أن حكام هذه الجزيرة طيلة القرون السبعة الماضية وقادتها وفرسانها وطبقاتها العالية وذوي الحل والعقد بها.. يقرضون هذا الشعر ويروونه ويتأثرون به ويثيبون عليه ويعاقبون عليه وهو ديوانهم وأثير مجالسهم وأنيسهم».
أما الدكتور غازي القصيبي فأوثّق هنا ما قاله الزميل الأستاذ قاسم الرويس: «معالي الدكتور غازي القصيبي تلك القامة الأدبية السامقة المتعددة المواهب، والحقيقة أنه ربما أدرك البعض قدرته على التعاطي مع هذا الشعر بعد قراءتهم لروايته (أبو شلاخ البرمائي) التي سئل عن الأشعار النبطية المتناثرة في ثناياها والتي تدل على موهبته وقدرته فكانت إجابته: (انه لا يمتلك موهبة كتابة القصيدة النبطية وما ورد منها في روايته على لسان أبو شلاخ البرمائي لا يتعدى كونه صورة كاريكاتيرية وفقاً لدور الشخصية في الرواية)، ورغم نفيه امتلاكه موهبة كتابة القصيدة النبطية إلا أن أكثر من مئة وسبعين بيتاً من الشعر جاءت في ثنايا الرواية وفي مقاطع متنوعة الأغراض متعددة القوافي والأوزان كافية لإثبات هذه الموهبة».
** **
- محمد بن علي الطريف