د.عبد الرحمن الحبيب
يحتدم الحراك السياسي في العراق بمفاوضات التحالف بين القوائم الانتخابية لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان المتكون من 329 مقعداً، للحصول على قيادة الحكومة. فحسب الدستور العراقي يكلِّف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددًا بتشكيل مجلس الوزراء، وقد فُسرت هذه الكتلة بأنها التي تتشكل بعد التحالفات، وليس التي تفرزها الانتخابات.
نتائج الانتخابات أظهرت تصدر قائمة «سائرون» برئاسة مقتدى الصدر (54 مقعداً)، تلتها كتلة «الفتح» التابعة لمليشيا الحشد الشعبي بزعامة هادي العامري (47 مقعداً)، ثم قائمة «النصر» بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي (42 مقعداً)..
بعدها تأتي مجموعة من القوائم: «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي (25 مقعداً)، «الحكمة» بقيادة عمار الحكيم (22 مقعداً)، «الوطنية» بزعامة إياد علاوي (21 مقعداً)، «القرار» بزعامة أسامة النجيفي (15 مقعداً)..
وفي المناطق الكردية، حصلت الأحزاب على المتوقع يتقدمها الحزب الديمقراطي الكردستاني (25 مقعداً)..
هذه النتائج تشكل خيبة أمل لإيران، لأنها توقعت أن يحتل الصدارة أحد وكلائها أو مؤيديها، فصاحب الترتيب الثاني (الفتح) والرابع (دولة القانون) توجههما إيراني وكان يتوقعان أن يكونا بالصدارة.
هذا شكل خرقاً نسبياً لمعادلة المحاصصة الطائفية السابقة، فالقائمة الأولى والثالثة تشكل خياراً وطنياً، بينما تشكل الثانية والرابعة خياراً طائفياً.
كذلك يلاحظ تقارب النتائج، فلا يمكن لقائمة أو تحالف قائمتين تشكيل الحكومة بل يتطلب تكتل عدة قوائم.. فمن سيشكل الحكومة العراقية؟ يبدو حتى الآن أن أقواها محاولتان متضادتان تلغي إحداهما الأخرى..
الأولى تكتل تقوده قائمة «سائرون» التي تطمح لتشكيل الحكومة لأنها نالت الصدارة، والثانية تكتل تقوده قائمة «الفتح» و»دولة القانون» سواء لتشكيل الحكومة أوعلى الأقل لضمان دور أساسي فيها.
زعيم التكتل الأول، مقتدى الصدر أكد أن العراق مقبل على تشكيل حكومة تكنوقراط وطنية تحارب الفساد «ستكون بابا لرزق الشعب ولا تكون منالاً لسرقة الأحزاب»، مستبعداً التحالف مع قائمة (الفتح) و(دولة القانون)، وقال حسب رويترز، إنه غير مستعد لتقديم تنازلات لإيران بتشكيل ائتلاف مع حليفيها الرئيسيين (الفتح ودولة القانون).
في المقابل التكتل الثاني، أعلن أنه سيستبعد قائمة «سائرون»، ويعمل حالياً بنشاط برعاية الجنرال المليشياوي الإيراني قاسم سليماني لتشكيل ائتلاف من الفتح ودولة القانون وكتل سنية وكردية ليضمن الأغلبية السياسية، حسب وكالات الأنباء (رويترز، الفرنسية..).
لن يكون الأمر سهلاً لكلا التكتلين بإزاحة أحدهما الآخر، فتقدم التيار الصدري ليس بفارق كبير عن باقي القوائم الانتخابية، والنفوذ الإيراني لن يسمح له بإلغاء «الفتح» و»دولة القانون» اللذين إذا تم إقصاؤهما سيعرقلان تشكيل التكتل الأول سواء عبر سلاح المليشيا أو النفوذ السياسي.
بالمقابل يصعب على التكتل الثاني إزاحة قائمة (سائرون) عن المشهد السياسي بسبب حصوله على أعلى الأصوات فضلاً عن قاعدته الشعبية الواسعة التي قد تثور إذا تم إقصاؤها أو على الأقل ستنهار آمال كثير من العراقيين في جدية مشاريع التنمية ومحاربة الفساد، التي كانت أهم عناوين قائمة «سائرون» مما يؤدي لمزيد من فقدان الثقة بمؤسسات الحكومة.
في ظل هذه التجاذبات فإن حضور النفوذ الإيراني والأمريكي يشكل تصادماً حاداً للمصالح قد يعرقل عملية تشكيل الحكومة.
فأمريكا تسعى لإبعاد قائمة «الفتح»، وإيران تسعى لإبعاد قائمة «سائرون» وكلتا القائمتين حصلتا على عدد من المقاعد يصعب تجاوزه.
ورغم تأثر العامل الخارجي إلا أن القرار الداخلي يبدو هو الأقوى في المشهد الحالي، ولن يستطيع العامل الخارجي «فرض شخصية لتولي رئاسة الوزراء، لكنهما يستطيعان رفض شخصية» كما قال أستاذ العلوم السياسية وعميد كلية النهرين د. عامر فياض.
في ذات الوقت يبدو الصدريين غير عابهين لا بالنفوذ الإيراني ولا الأمريكي ولا بالحذلقات السياسية بل يراهنون على المطالب الشعبية الداخلية، وتبدو شخصية مقتدى الصدر الصارمة مثيرة لتوتر الكتل الرئيسية والمسؤولين السابقين الذين انتقدهم بحدة.
وإذا أضفنا لذلك أن مفاوضات التحالف لتكتل «الفتح ودولة القانون» مع القوائم الأخرى أظهر تماسكاً وانضباطا تحت مظلة التدخل الإيراني وسطوة سلاح المليشيا، فإن حظوظهما ستكون أكبر سواء بتشكيل التكتل الذي يطمحون إليه أوعلى الأقل بتشكيل حكومة وحدة وطنية فضفاضة.
تشكيل حكومة وطنية شاملة لأغلب الكتل وفضفاضة على ذات الطريقة السابقة، يبدو أنه الخيار المرجح لصعوبة الخيارين المطروحين. ذلك يعني العودة لما يشبه الأداء الحكومي السابق.
وهنا لا ننسى أن النسبة الأكبر من الشعب العراقي قاطعت الانتخابات (أكثر من 55%) لأنها فاقدة الأمل في الوضع الانتخابي الراهن، لتشكل تياراً يصعب التكهن بتوجهاته المستقبلية..
«هذا التيار بات يؤسس لشيء يمكن أن يكبر في المستقبل؛ حيث إن هذا التيار الشعبي وضع بصمة على مسار العملية السياسية» كما يقول السياسي العراقي المستقل د. نديم الجابري.
أياً كانت نتائج مفاوضات تحالفات التكتل، فهي مرحلية مؤقتة، فنتائج الانتخابات سواء بمن صوتوا أم بمن قاطعوا تشير إلى أن عراق المستقبل متوجه نحو خياراته الشعبية من تنمية داخلية ومجتمع مدني واستقلال وطني رغم العراقيل من فساد مستشر ومن مليشيات طائفية مدعومة من إيران..