د.عبدالله الغذامي
تويتر ترعب السلطات المستبدة (إيران، الصين)، كما ترعب المؤسسات المالية والبيروقراطية حين تكشف عيوبهم، وكذلك يهرب منها كثر بعد دخولهم، ومن أبرز الأمثلة هنا: تشومسكي وإمبرتو إيكو الذي سماها غزوة البلهاء.
وللفكر البشري دربة طويلة على قانون التعود، وكلما اكتسب البشر مهارة من المهارات وتعودوا عليها تآلفت نفوسهم معها حتى لتعجز عن الفكاك منها، وقد مرت دهور تقبل الناس فيها فكرة الطبقية الثقافية بحيث ينقسم البشر لطبقتين هما الخاصة والعامة، كما في المصطلح القديم، ثم صارت تحت مسميات النخبة والجماهير، وتم تقسيم مستويات اللغة والسلوك والذهنيات تبعا لهذه الثنائية وحين جاء زمن ثقافة الصورة وتعزز بوسائل التواصل الاجتماعي تبدت خرافية التقسيم الطبقي للثقافة وتهشمت النخبة ليبرز الشعبي والجماهيري، وهذا أدى إلى رد فعل انفعالي حتى من كبار المثقفين والفلاسفة، ومنهم تشومسكي، وقد عرضت لموقفه في كتابي (ثقافة تويتر)، وأشير هنا إلى أمبرتو إيكو الذي كرر موقف تشومسكي، وقد نقل عنه مترجمه صالح علماني قوله: (إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. واصفاً هذه الثقافة بغزوة البلهاء) وهذا الكلام نقله مترجم كتب أيكو إلى العربية، صالح علماني في موقعه في الفيس بوك نقلا عن مقابلة مع صحيفة لاستمبا الإيطالية، وهذا الموقف مع موقف تشومسكي يكشفان كيف أن النخبوية لا تتنازل عن كرسيها بسهولة وتعجز أن تتفهم تغيرات النسق الثقافي، حتى لتصفها بالبلاهة والحماقة، وكان الأجدر بالاثنين معا أن يعطيا هذا المتغير حقه في التفهم والتدبر، لولا تسلط النسقية عليهما وعماهما عن لعبة المتغيرات.