«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
انتشرت دراسة جديدة، وُصفت بأنها أول دليل قوي على أن الروائح يمكن أن تساعد الإنسان على تذكُّر الأشياء. وتقول الدراسة إن روائح الأشياء ترسخ في ذاكرتنا، وإنَّ شمَّ الرائحة الصحيحة يمكن أن يساعد في استرجاع المعلومات. وقد ظهرت هذه النتائج على مشاركين في الدراسة، شموا الشوكولا أثناء تمرين للكلمات، ثم شموها مرة أخرى عندما جرى اختبارهم في اليوم التالي حول القدرة على الاستذكار. وقال الباحث فرانك شاب: إن استراتيجية الذاكرة قد تمكِّن من مساعدة الطلاب الذين يذاكرون للامتحان أو الطيارين الذين يتدربون على حالات الطوارئ. ويقوم الشاب الذي درس هذا عندما كان في جامعة بيل ببحوث نفسانية الآن في مختبرات جنرال موتورز للأبحاث في ولاية منشجان. وقد قامت نتائج دراسته في عدد هذا الشهر من مجلة علم النفس التجريبي على التعلم والذاكرة والإدراك. وتعتبر الدراسة بمثابة أول دليل علمي قوي على ذاكرة الرائحة التي يعرفها كل أحد تقريبًا. كما قال الدكتور بريان ليمان من مركز الحواس الكيميائية في فلادليفا: في إحدى التجارب قدمت إلى 72 طالبًا من طلاب جامعة بيل قائمة تتطلب 40 صفة، وطُلب منهم أن يكتبوا الكلمة المعاكسة لكل صفة، ولم يقل لهم إنه سيُطلب منهم في اليوم التالي استذكار أكبر كمية ممكنة من الكميات التي كتبوها. وقد جرى تعريض كل طالب لشم رائحة الشوكولا، إما أثناء تمرين الكلمات الواحدة، أو أثناء اختبارات الاستذكار، وفي كلتا الحالتين أظهرت النتائج أن الذين شموا الرائحة أثناء تمرين الكلمات، وشموها مرة أخرى أثناء تمرين الاستذكار، تذكروا 21 في المئة من الكلمات التي كتبوها في المتوسط. أما المجموعات الأخرى فلم تتعد النسبة 17 في المئة. وأوضحت تجربة متابعة ثانية أن الرائحة نفسها لا بد أن تكون موجودة لدى التعلم والاختبار حتى يتحقق الاستذكار بأفضل صورة. ووجد الدكتور شاب أيضًا أن رائحتَي الشوكولا والنفتالين لهما تأثير جيد على حفز الذاكرة. وقال شاب: إن مثل هذا البحث له تطبيقات ممكنة كثيرة؛ فعلى سبيل المثال يمكن للطلاب الذين يذاكرون موضوعات لمواد عدة في وقت واحد أن يستفيدوا من رائحة مختلفة لكل الموضوع أو مادة.. بل راح البعض يؤكدون أن روائح بعض الطيب التي اعتادوا شمها خلال الدراسة أو المذاكرة تثير فيهم ذكريات مرتبطة بلحظات قضوها وهم يذاكرون.
ومنذ لحظة اطلاعي على هذه الدراسة تذكرت كيف أن رائحة المجلات المصرية الشهيرة والصادرة من دار الهلال التي كنت أطالعها فيما مضى منذ زمن تذكرني برائحتها المميزة التي يعرفها كل من كان يطالع تلك المجلات.. بل إن صحفنا السعودية لها أيضًا رائحة تعوَّد عشاقها عليها؛ فتجد البعض ممن عشقوها منذ الصغر ما زالوا يحرصون على تصفحها ورقيًّا على الرغم من توافرها على الشبكة العنكبوتية. هذه الرائحة وليدة مزيج من حبر الطباعة وعجينة الورق التي صُنعت منها «رولات» الصحف. ومع الأيام تكونت علاقة بين القارئ وصحيفته. وبالمناسبة، أذكر أن أحد المعارف زارني مع ابنه في مجلسي الأسبوعي، وكان من عشاق القراءة، بل كان مشتركًا في أكثر من صحيفة، ومع كبر سنه أصيب بالسكري؛ وفَقَد نظره - رحمه الله -. وخلال وجوده في المجلس أحضر سائقي الخاص صحيفة الأهرام، التي أتابعها منذ عقود، فإذا به يقول: ما شاء الله، ما زلت تقرأ هذه الصحيفة. فأجبته: نعم، مع أنها تصل لمركز التموين متأخرة أكثر من يوم. عندها سأله الذي يجلس بجانبه: ما شاء الله، كيف عرفت الصحيفة يا أبا سالم؟ فقال: من رائحتها التي ما زالت في ذاكرتي.