عروبة المنيف
تزاحمت علينا الأعمال الفنية في رمضان مثلها مثل سابقتها من المواسم الرمضانية، سواء كانت مسلسلات أو برامج، فكاهية هي، أو درامية أو معرفية. وقد غلب علينا التشتت، وبدأنا بالاستفسار والسؤال عن أي تلك الأعمال الذي يستحق استثمار الوقت فيه؟، لننجذب في النهاية لمتابعة الأعمال المحلية في غالبية خياراتنا سواء كان الهدف هو الاطلاع على الإبداع الفني فيها أو التسلية والاستمتاع أو لربما محاولة منا لرؤية انعكاساتنا من خلال تلك الأعمال!.
اكتسح مسلسل العاصوف للمثل ناصر القصبي المشهد الفني والساحة الرمضانية، وذلك لكمية الانتقادات التي تعرض لها. فلم تمر العشرة أيام الأولى من عرضه، إلا وقد كتب عنه عشرات المقالات وآلاف التغريدات السلبية والإيجابية، وقد طغى الهجوم السلبي عليه. وهنا أنا لا أدافع عنه أو أذمه فليس لي في ذلك ناقة ولا جمل!، ولكنها محاولة مني أن أكون على الحياد!.
إن تحول الممثل ناصر القصبي من أداء دور الشخصية الفكاهية التي اعتدنا عليها لعقود متتالية، إلى شخصية درامية، هذا بحد ذاته صدمة للمشاهد، لن يتقبلها ويتجرعها بسهولة !، هذا من ناحية، أما من ناحية فكرة المسلسل، أرى أنها تتقاطع مع فكرة المسلسل السوري «باب الحارة»، الذي تم عرض تسعة أجزاء منه في مواسم رمضانية سابقة ولاقى قبولاً كبيراً لدى المجتمع السعودي !. فمسلسل العاصوف كما قرأت سيستمر أيضاً لمواسم رمضانية مقبلة، وتكلفة إنشاء استوديوهاته في مدينة أبوظبي قد قدرت بملايين الدولارات والتي لا بد من استثمارها.
عرض مسلسل العاصوف وضعاً اجتماعياً واقتصادياً في فترة زمنية معينة، ولا يخفى على الجميع أن في كل مجتمع هناك الصالح والطالح، العابد والزاهد، الخيِّر والشرير، فلا نستطيع نفي وجود السيناريوهات المعروضة في المسلسل أو استنكارها، فالفضيلة والرذيلة موجودة في كل المجتمعات ومنذ نشوء البشرية «قابيل وهابيل»، وليس من العدل أن نثني على مسلسلات عربية أخرى كمسلسل «باب الحارة»، الذي يعرض العادات والتقاليد السورية والنماذج الإنسانية لدى المجتمع السوري بسلبياتها وإيجابياتها ونستنكر مسلسلا محليا ينتهج ذات السياق الإخراجي في عرض المجتمع السعودي في فترة زمنية معينة أيضاً بتناقضاته وسلبياته وإيجابياته وبتحولاته النفسية والاجتماعية، فالمجتمع السعودي كغيره من المجتمعات، مجتمع إنساني لا ملائكي، ويكفي إلباسه لباس الخصوصية الذي أصبح فضفاضاً لا يتناسب وطبيعة المرحلة التي نعيشها، بالإضافة إلى أن عملية التسرع في الحكم على المسلسل عملية غير منطقية، فلنفسح له المجال لينتهي ونحكم عليه؟!. لقد نصبت منصات التواصل الاجتماعي نفسها قاضياً على المسلسل فأصدرت الأحكام بفشله !،وصبت عليه اللعنات منذ الحلقة الأولى؟!.
إن الفكرة الشائعة بأن العمل الدرامي يجب أن يعكس «القيم الجميلة في المجتمع» فقط، لا يصلح لأن يكون مادة درامية، فالدراما هي عمل إبداعي بالأساس، تساهم من خلال قالبها الفني أن تسلط الضوء على الظواهر والمشكلات الاجتماعية وعلى نقل النماذج والتجارب الإنسانية الموجودة في المجتمع بهدف الاعتراف بوجودها، وفي كل مرحلة حضارية يفترض أن يكون لها الأعمال الدرامية التي تجسدها والتي تنسجم مع حالات الوعي البشري في تلك المرحلة. لنأخذ نفساً عميقاً وننسى خصوصيتنا ونتابع العاصوف للنهاية لنحكم!.