محمد سليمان العنقري
الفترة الحالية من كل عام تشهد تحديد مصير شباب وشابات الوطن في مستقبلهم التعليمي من خريجي الثانوية العامة، حيث تبدأ فترة التسجيل والقبول في المسارات بمختلف تخصصاتها، وكذلك خريجو السنة التحضيرية في الجامعات حيث يتم تحديد التخصص النهائي لكل طالب وطالبة وحديثنا عن مئات الآلاف من الطاقات الشابة سنوياً يتم توجيههم لتلك التخصصات التي تظهر أن لا تحول كبير في تغيير نسب القبول في التخصصات التي نعاني من انكشاف مهني كبير فيها مثل الطبية والهندسية والعلمية عموماً ، فمازالت المسارات النظرية تستحوذ على نصيب الأسد من المقبولين سنوياً بينما نجد نسب قبول محدودة بالتخصصات الطبية والهندسية على وجه التحديد دون وجود أي مبرر لذلك فعدد الجامعات التي أنشأتها الدولة تجاوز الثلاثين وتنتشر بمختلف مناطق المملكة وتضم عشرات الكليات الطبية ومثلها الهندسية إلا أن متطلبات القبول المتشعبة والمعقدة بصفة عامة استنزفت طاقات الطلاب وحالت بين كثير منهم وتلك التخصصات المهمة التي نعاني من نسب مواطنين محدودة فيها فمازالت نسبة الأطباء السعوديين لا تتجاوز 26 % من إجمالي الأطباء بالمملكة وليست النسب بالتخصصات الهندسية ببعيدة عنها ومع ذلك تجد أنهم لايشكلون حتى 15 % من إجمالي الطلاب بالجامعات بمختلف التخصصات الطبية والهندسية كما أن المسارات العلمية لم تتغير بدمج وإلغاء تلك التي لا فائدة منها لتحل مكانها تخصصات عصرية أكثر أهمية والمستقبل لها خصوصا بعد أن اتضحت معالم وأهداف رؤية 2030 في استهدافها لرأس مال بشري مدرب ومؤهل على تقنيات العصر الحديث ليعزز تنافسية الاقتصاد الوطني ويرفع من المحتوى المحلي ويزيد الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد ويشغل الوظائف التي ستتولد من المشاريع الضخمة التي أعلن عنها والقادمة كذلك مثل مدينة نيوم وغيرها.
إن ما يحدث حاليا من طرق بقبول وتوجيه الطلاب لمسارات أو تخصصات لا يخدم استثمار رأس المال البشري الوطني فالطاقات الشابة تمثل 68 % من المواطنين ممن دون 30 سنة وفي الجامعات يوجد أكثر من مليون ومائة ألف طالب ويتخرج سنويا من الثانوية العامة حوالي300 ألف ولكن هل يتم استثمارهم من قبل الجامعات خصوصاً التي تقع في المدن الكبرى الرياض وجدة والمنطقة الشرقية رغم موازناتها الضخمة وكل ما توفر لها من مبانٍ وخدمات حديثة؟ إن الواقع تجيب عنه إحصاءات القبول بالمسارات العلمية والصحية وكذلك تفاصيل « التخصصات في هذه المسارات» أي بعد انتهاء السنة التحضيرية التي لازالت النسب تقول إنها متدنية قياسا باحتياجات الاقتصاد وسوق العمل ويمكن لتقارير وزارة العمل عن حجم الانكشاف المهني أن تجيب على واقع دور الجامعات في معالجة هذا الملف الذي يمثل جزءًا من الأمن الاقتصادي باستثمار طاقات الوطن الشابة في التخصصات والمجالات التي تمثل عماد تشغيل وتطوير أهم القطاعات الاقتصادية الطبية والصناعية والتشغيلية عموماً.
استثمار رأس المال البشري واسع في مفهومه لكن بالتأكيد يبدأ من وزارة التعليم والجامعات التي تقع تحت إشرافها مع دور أساسي لرسم خطة متكاملة تكون وزارة الاقتصاد والتخطيط هي المنسق الرئيسي لتنفيذها مع وزارة العمل حتى تتحقق أهداف الرؤية بتطوير ورفع مساهمة الكوادر الوطنية وكذلك تحقيق أفضل عائد من الاستثمارات الضخمة التي تضخ في قطاع التعليم وتشكل أكثر من 20 % من حجم الإنفاق المعتمد في الموازنات العامة سنوياً.