م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. حينما بلغت الستين بدأت (متأخراً) النظر إلى حياتي وأصبت بالذعر.. فكم من الجهد الذي استهلكته مقابل لا شيء.. وكم من الوقت أضعته بالكسل واللامبالاة والتسويف واقتراف الأخطاء التي بلا معنى.. وكيف أنفقت عمري غير مستمتع بما لدي وما يحيط بي وما حققته.. وكم قَصَّرت في حق نفسي وجسدي وطموحاتي وأسرتي.. كيف أفنيت عمري في مطاردة تفاهات وحمل هموم لا ناقة لي فيها ولا جمل ولا حول لي فيها ولا طول؟.. ثم بدأت بجلد ذاتي: كم كنت غبياً وجاهلاً ومتهوراً وكسولاً ومغروراً وفاشلاً!.. هنا بدأ قلبي ينفطر.. كيف فرطت في سنوات عمري بهذه السهولة؟.
2. في الستين فقدت قدرتي على إيجاد المبررات لكسلي وفشلي.. فقدت القدرة على إيجاد الأعذار لتصرفاتي الخاطئة.. تبخرت كل الأسباب التي منعتني من الوصول لما أردت الوصول إليه.
3. سبحان الله.. كيف تحولت تلك العقبات التي وقفت في وجهي إلى أوهام كانت من صنع خيالي.. وكيف كذبت على نفسي وأوهمتها بأحداث وأمور ليست حقيقية.. وجعلتها أمام عقلي عقبة كَأْدَاء لا يمكن تجاوزها.. وكيف بررت لنفسي أن تسبق رغباتي احتياجاتي.. وكيف سمحت بأن تطغى أهوائي على واجباتي الحقيقية!.
4. كيف طاف عليّ أن لكل شيء ثمن وأن أغلى الأثمان هي التي تنفقها من عمرك.. كيف فاتني أن كثيراً من أحكامي وآرائي وقراراتي بنيتها على معلومات منقوصة أو خاطئة أو متوهمة أو وليدة الرغبة.. كيف غاب عني أن كل شيء في الحياة مؤقت وأن الحياة تسير لا تبطئ لأحد.. وأخيراً كيف عجزت عن الانتباه إلى أن كثيراً من الأمور المهمة في الحياة تضيع بسبب الغفلة وعدم الانتباه!.
5. في الستين تأكدتُ أنك إذا عرفت الصواب ولم تفعله فهذا جبن.. وأن كثيراً من الناس يفكرون بحكمة لكنهم يتصرفون بحمق.. كنت من هؤلاء الجبناء الحمقى.. كنت أعرف الصواب لكني كنت أسيرا مع هواي.. كنت أحياناً (للأسف) أعرف أن المبالغة في أي شيء ضار ومع هذا كنت في شبابي أبالغ في كل شيء: في مأكلي ومشربي، ونومي وسهري، وعملي ولهوي، وحبي وجفائي، وثنائي وهجائي.. لم أكن أعرف أن الفضيلة وسط بين رذيلتين.. حتى اكتشفت لاحقاً أن كل ذلك سوف أدفع ثمنه من صحتي وعلاقاتي.. فكل الذي بالغت فيه في شبابي كانت فواتيره مؤجلة.. والآن حان وقت سدادها مضاعفة الثمن.
6. في الستين أدركت أنك إذا استقمت استقامت لك الحياة.