عن قلم الخيال للنشر والتوزيع صدرت للكاتب والشاعر السوري عبدالسلام الفريج رواية (ساجدة الموت عشقًا) في حوالي أربعين ومائة صفحة.
ولكي ندرك المقصود من عنوان الرواية لا بد أن نفصل بين (ساجدة) و(الموت عشقا) حتى تكون الجملة الأخيرة عنوانًا ثانويًا تفسيريًا.
الرواية من الأعمال القليلة التي تناولت الأحداث التي عصفت بالوطن العربي بعد اجتياح صدام حسين الكويت وما تلا ذلك من استباحة أرض العراق..
تتحدث الرواية عن مجموعة من الصحفيين والإعلاميين من مختلف أنحاء الوطن العربي؛ مختلفي التوجهات والانتماءات لكن يجمعهم حب الوطن العربي الكبير والخوف عليه مما حل به من تمزيق لوحدته. إنهم فتية لفظتهم أوطانهم فخرجوا خائفين يترقبون كالملايين أمثالهم يحسبون كل خطوة.. تتناهبهم الأقدار، فمنهم من قضى في انفجار دبَّره إرهابي يدَّعي حب الوطن والدفاع عنه، ومنهم من قضى في حادث موجَّه له قُصد منه تصفيته.
يصف الراوي كيف اتحد العرب؛ ولكن في المأساة، فيقول: «إن مأساة العرب مشتركة، يجمعهم الموت والتشرد والضياع.. ضياع الأهل والوطن وتكالب العالم عليهم.. إنها ملحمة الموت التي شملتهم من طنجة إلى البصرة، بل شملت الأمة بأسرها». ص83
وفي ظل هذه الأجواء المضطربة تظهر حكاية عشق ظلت مكبوتة في قلبي حبيبين حتى أتاحت الظروف التي أوجدتها الحرب وتبعاتها التقاء العاشقين.
(ساجدة) كأي فتاة من البادية هي في نظر أهلها سلعة يزوجونها لمن يدفع أكثر، فلا اعتراف بشيء اسمه الحب؛ خاصة قبل الزواج. و(حماد) تزوج مبكرًا لأن الزواج ضرورة من ضرورات المجتمع. كلاهما – ساجدة وحماد – لم يدركا سوء تقديرهما واختيارهما إلا بعد أن أحسا بمشاعر الحب تختلج داخلهما وقد أصبح لكل منهما شريك لا يطيقه!
يقول المؤلف على لسان الراوي: «إنه قانون القبيلة.. عندما تملَّكَها زياد بعد أن أقنع والدها بالسعر أصبح يملك حتى مشاعرها.. لم تعد تستطيع البوح بكلمة، أو تعبر عن إعجاب.. أصبحت جارية تُعجب بسيدها فقط وتحبه وتدين له بكل شيء في حياتها». ص12
يُجتاح العراق ويتشتت سكانه.. يهربون من جحيم لم يعد يطاق طلبًا لحياة أكثر أمنًا واستقرارًا ولو في مخيم لاجئين.. ولو أودى بهم طريق البحث عن النجاة للمهالك.. أما الكتَّاب والإخباريون فيهربون طلبًا لمكان آمن يتخذون منه غرفة لعمليات أقلامهم. بعد سنوات انطلق الربيع العربي في أكثر من بلد عربي فكثر النازحون من بلادهم الباحثون عن ملجأ، فكانت بيروت مكاناً التقى فيه حماد ورفاقه القدامى من العراقيين وثلة من العرب الذين اجتاح بلادهم الربيع العربي، من مصر وتونس وسوريا وليبيا.
وهنا ينقل لنا الروائي وجهة نظر الاستعمار الجديد في حوار حماد مع حبيبته ساجدة: «إن هؤلاء العرب المتوحشين لا يجب أن يكون لهم كل هذه الثروات، فهم غير قادرين على إدارتها والتمتع بها وخدمة البشرية كما فعل الغرب». ص19
ثم يكمل: «إنهم يدّعون أنهم أصحاب رسالة مكلفين بتبليغها للعالم أجمع، أين رسالتهم؟ بل أين إسلامهم؟ إن إمريكا ومن قبلها بريطانيا يعلمون علم اليقين بأن هؤلاء الأعراب لو تقيدوا برسالتهم وتعاليمهم لحكموا العالم بأسره؛ لذا يتوجب علينا ألا نسمح لهم بالتقدم والنهوض، وألا نفسح لهم مجالاً بإعادة عصرهم الذهبي أيام هارون الرشيد وأيام الأندلس». ص20
وفي موضع آخر يصف لنا يوم سقوط بغداد: «اختفت الحكومة واختفى الجيش واختفى القائد.. بغداد بلا حماية.. استباح العامة كل ممتلكاتهم.. نهبوا التاريخ والآثار والبنوك والمصارف.. دمروا وعاثوا فسادًا بكل شيء، لم يتحرك الغزاة مطلقًا.. كانوا يراقبون كل عمليات النهب والسلب.. إنهم يسهمون بذبح العراق.. لم يسلم من شرهم إلا وزارة النفط التي أحاطوها بكل عناية لأنها مطلبهم». ص26
رحل حماد من العراق وما زال حبُّ ساجدة وأسفُه على فراقها ورغبتُه في لقائها مجددًا حلمًا يساوره حتى التقى بها ضمن من التقى في بيروت بعد أن رتبت الحرب لهما أجمل فرص اللقاء، وكأن المتنبي يعنيهما حين قال:
بذا قضت الأيام ما بين أهلها
مصائب قوم عند قوم فوائد
فـ(زياد) زوج ساجدة قضى في حادث تفجير في سوق (الشورجة) وزوجة حماد قتلت في حادث انفجار لغم في طريقها وهي عائدة من البصرة.
تمضي الأيام ويتبين للجميع أن بيروت ليست المكان الآمن؛ خاصة بعد انتفاضة الشعب السوري، فما أسهل ما يصل إليهم من يبحث عنهم لتصفيتهم، فيتوجه حماد وساجدة إلى مكان آخر أكثر أمنًا.. إلى اسطنبول.
في اسطنبول شهدا الديموقراطية التي تفتقر لها البلاد العربية فيقول حماد بأسى: «إننا في بلادنا نفتقر إلى هذا الأمر.. في بلادنا العربية تخرج الجموع لتأليه الحاكم وتقديسه، وحين خرج البعض ينادي بشيء من التغيير وطالب بتحسين الأداء قوبل بالحديد والنار، ووُجه بالأسلحة التي كان يعتقد أنها أعدت ليوم كريهة وتمام ثغر». ص94
الآن ساجدة وزياد في اسطنبول يعيشان قصة الحب الذي حرماه من جديد، لكنهما يكتشفان أن اسطنبول لم تعد آمنة أيضًا. ليس أمامهم إلا أوروبا.. إلى اليونان كنقطة بداية يمكن منها الانطلاق إلى بلد أكثر أمنًا يمنحهما حق اللجوء.
الطرق الرسمية النظامية للهجرة صعبة فليس أمامهما سوى الهرب كغيرهم من آلاف المهاجرين غير الشرعيين الذين يغامرون بحياتهم يوميًا.
يتوقع القارئ أن تنتهي حكاية العشق بين ساجدة وزياد التي توجت بعقد قرانهما في بلدية أزمير بالموت غرقًا، لكن الروائي القدير يفاجئنا بوصولهما سالمين لكن ليس إلى اليونان بل إلى إيطاليا، فلم يكن بقدرة الزورق الصغير الذي أقلهما اختيار طريقه وسط الأمواج العاتية والعواصف الهوجاء.. الموت لساجدة لم يحن إلا بعد أن اتسعت الآمال وضحكت الدنيا في وجهي العاشقين، واستقرا في مدينة (كولون) الألمانية، وتُوِّج العشق والزواج بإنجاب ساجدة بنتاً جميلة. عندها كتب الموت نهاية الحياة السعيدة للعاشقيْن!
تجري الحوارات في الرواية بلغة سهلة فصيحة، ولا تخلو بعض تعليقات الراوي من وصف جميل لبعض المشاهد؛ مثل هذا المشهد الذي يصف كيف استيقظ زياد من النوم: «جمع زياد نفسه بسرعة.. توجه إلى الحمام.. غسل وجهه ويديه.. تناثر الماء من المغسلة على الأرض كأنه في معركة نتيجة حركته غير المنتظمة التي يمارسها أثناء الغسل.. حاول أن يرتب بقايا شعره بأي شكل يدل على أنه قد أنهى مرحلة النوم». ص22
لكن شوه جمال الرواية كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية إضافة إلى قلة علامات الترقيم.
كما أن في الرواية استطراد لا حاجة له في أكثر من موضع، كالحديث عن معاملة الرجل العربي للمرأة ص77 والوصف السياحي لمدينة (كولون) الألمانية ص130-131 ومثل شرح ما تعنيه كلمة (البقشيش) التركية ص101
تنويه واعتذار
في قراءتي لديوان (إلا أنا) للصهيب العاصمي السبت الماضي، ذكرت أن الصهيب هو نفسه محمد عسيري الفنان الذي رسم لوحة غلاف الديوان. وقد اتصل بي الشاعر العاصمي موضحًا أن الفنان محمد عسيري غيره. لذا وددت التنويه والاعتذار لكل من الشاعر محمد عسيري (الصهيب العاصمي) والفنان التشكيلي محمد عسيري.
** **
- سعد عبدالله الغريبي