فلنقرأ سويًا هذا المشهد المرتجل في لحظة كتابة هذا المقال، إنه مشهد عاطفي «جاهز» للاستخدام:
- «طلب منها والدها الاتصال بمدير مكتبه لتسأله إن كان بالإمكان قدومه للمنزل بالمعاملات الهامة لعدم مقدرة والدها على الخروج في ذلك اليوم، تتصل فُلانة بمدير المكتب فيتبادلان التحية، تعرفه بنفسها بينما يكاد الخجل أن يبتلع صوتها، وتتردد ألف مرة قبل أن تطلب منه المجيء للمنزل، حيث يشعرها هذا التصرف بشيءٍ من الفوقية التي تجاهد لتنفيها عنها بعد أن صارت تهمة لصيقة بأسرتها».
في حقيقة الأمر هو مشهد ضعيف للغاية، ولكنه من تلك المشاهد المعلبة في القوالب الجاهزة للاستخدام من قبل أي روائي «عربي» تحديدًا، أو أي كاتب سيناريو لا يريد أن يعصر عقله قليلًا ليخرج بفكرة جديدة يتدبر من خلالها أمر اللقاء الأول، أو أسباب التعارف بين العُشاق على سبيل المثال، فيتجه لمثل هذه النماذج التي ما فتئ الكتاب عن استخدامها.
الشيء نفسه يتكرر في طريقة تكوين شخصية البطل في العمل الروائي، فهي في الغالب شخصيات مكررة ومستخدمة سابقًا وهي لا تخرج عن هذه السمات غالبًا «مُكتئب، عاشق، أرمل، مزاجي، عربيد، ثوري» وهو في الغالب يحمل صفة مشتركة تجتمع مع كل هذه الصفات، وهي «التدخين بشراهة، والوقوف أمام المرآة التي لا يعرف نفسه فيها». كما أن سياق الأحداث في أي عملٍ روائي يكاد أن يكون هو نفسه في الأعمال الأُخرى، وكل ذلك وفق النماذج المعلبة طبقًا للشخصية التي يريد الكاتب الكتابة عنها، فللعاشق قصة جاهزة والمكتئب كذلك.
الأمر مختلف تمامًا عن الروايات العالمية والأفلام والمسلسلات الأجنبية، هُناك دائمًا قصة جديدة، أحيانًا تكون خيالية أو شبه مستحيلة ولكنها بعيدة كل البعد عن رتابة التكرار والنماذج المُعاد تدويرها من قبل الروائيين العرب، حتى أنَّ المرء يكاد أن يتنبأ بمآل الرواية ويتكهن أحداثها من عنوانها.
** **
- عادل الدوسري