ابن الشاعر شاعرٌ بالفطرة، هذا ما يؤكده ديوان الشاعر أحمد الصحيح في تجربته الشعرية الفذة،لم يختبئ فيها تحت عباءة الأب كما المعتاد، بل صنع له صوتًا خاصًا يتحرك في مدار آخر، مدارٌ لا يدركه سوى الذين يعلمون مدى ما يمكن للشعر تحقيقه، ومدى ما يمكن للاختزال أن يضم العالم في تورياته القصيرة والمعبرة، ولهذا حاز أحمد على المركز الأول في مهرجان بيت الشعر بالدمام، دورة فوزية أبو خالد في عام 2016. تجربة شعرية كاملة ومؤثرة وتستحق أن تُقرأ لأكثر من مرة، وهذا يبدو واعدًا لصوت شاب، يتحدث بلغته السهلة لكن المؤثرة في الوقت ذاته.
فتحت الباب فانهال على العالم، بكل حروبه وانكساراته وصوت الأنا المفقود بالداخل، فتحت الباب، حاولت فتحه فكانت:
«المفاتيح
فرصٌ حديديةٌ لإنعاش المكان
إنها لا تحزن ولا تفرح
لكنها تصدأ
حين تلتفت لصوت التكرار وهو يبني هاويته حولها.
فتحت الباب وانسلت قدماي إلى الشارع:
«في هذه المدينة،
في هذا الهزيع المتأخر من ليل الأمنية
أنفض الغرباء عن صدري فأسقط واحدًا منهم.
قوس الكشف لم يشتد،
والقلق لا يفترضُ طريقة للخروج.
وأنا مازلت أعرف
أن العمر الذي يمر سريعًا في الشارع الخلفيّ للمقهى..
عمري
وأن ما أحتسيه في دمي إجابةٌ مبتورة الأطراف.
فتحت الباب فكان:
«على بابي خسارتان وانتصارٌ واحد،
ذاكرةٌ تتكىء على كتف يقظة،
قصيدةٌ مخلوعة،
فرصة أغنية مهملة،
ابتسامةٌ واحتمال فم.
فتحت الباب فكانت الحرب تهطل من البنادق والأجهزة الذكية. وكان للجنديّ أربع أيادٍ
يعود باثنتين
ليحتضن بهما أمه بعد الحرب،
واثنتان لا تتوقفان عن اطلاق الرصاص
يذهب بهما لأمهات الضحايا.
فتحت الباب وانا..
«دائمًا ما أردت أن أكون خفيفًا خفيفًا
كأن لا تكون الأشياء التي لي.. لي
كأن تكون الأشياء التي ليست لي
ليست لي أكثر..
فتحت الباب وكنت:
«سأغرس
قيثارة في جيبي لينجو،
حانةفي رأسي لينهض،
وسيجادلني المطر.. فانتبهي.
ستراودنا البداية وسنستهلك الأبد،
سنصنع دهشةً ونسميها «أمنا».
سأصلّي.. أصلي لأزاداد «أنتِ»،
وصلي لنزداد «أنتِ»
وسأحبكِ.. فانتبهي».
فتحت الباب ديوان الشعر الذي من عتبته ينهال عليك العالم، تكتفي بالقليل الذي يعبر، خيرٌ من أنت عبث بك القصائد الطويلة، إنه ديوان الشعر الذي تكتفي منه بالقليل، بالضروريّ، بلا زيادة أو نقصان، هذا التقشف يفتح لك مخيلةً أكبر من مخيلتك، ديوان الأنا المفقودة، ديوان القلق كأنك حافةٌ يسقط منها الآخرون، كأنك حين تنفض الغرباء عن رأسك تسقط كما لو أنك واحد منهم.
** **
- أحمد صالح