د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
أول ما وقعت عيني على عنوان هذه الرواية قفز ذهني إلى ربطها بمدينة (دُومة الجندل) حيث لقيت كاتبها حين كنا في ضيافة زميلنا الدكتور أحمد السالم، حدثني الأستاذ الأديب عقل بن مناور الضميري الذي جلست إلى جواره عن الأسماء وعن روايته التي عرض فيها لمشكلة التسمية، ووعدني بنسخة منها.
انتظرت وأنا أتابع قراءة الرواية بشغف لعلي أعرف معنى هذا العنوان حتى وصلت إلى أواخر الرواية فصلها التاسع والعشرين الصفحة 202 منها؛ وإذا به دعاء تردده والدته «عساك دوم زين. عساك دوم زين». ولعل هذا العنوان يجمل رغبة قوية تعمر قلب الكاتب أن يتخلص المجتمع من بعض عيوبه التي عرض لطائفة منها عرضًا مباشرًا أو غير مباشر؛ ليردد لبلاده ومجتمعه دعوة أم نايف (عساك دايم زين)، وليس كدعوة الوالدين دعوة، ونايف الشاب المتعلم في جامعات أجنبية الطموح ابن الأثرياء هو شخصية محورية في الرواية، تجمعه الصدفة في طائرة بشخصية نقيضه هو سليمان النزق الحاقد الغريب السلوك، ثم تجمعهما الصدف مرة أخرى في الجامعة؛ أما نايف فأستاذ وأما سليمان فموظف في إدارة الجامعة، وتجمعهما مرة ثالثة أهم مشكلة أراد الكاتب معالجتها في روايته وهي اختيار الأسماء، وبخاصة أسماء الأبناء التي هي فرض على الأبناء لا رأي لهم فيه، ولسليمان ابن اسمه (ناكر)، وأما نايف فعينه مدير الجامعة منسقًا بين مجموعتين تدرسان موضوع الأسماء دراسة ميدانية، وهما فريق منظمة الصحة العالمية وفريق جامعة (ساكا)، والهدف معالجة مشكلة الأسماء التي قد تضر بأصحابها ضررًا نفسيًّا، وهو أمر لمسته عن قرب فابن أخي ألح على والده حتى غيّر اسمه، وكذلك ابني أراد تغيير اسمه، وبعد انتهائي من محاضرة عن (تجربتي في دراسة الأسماء) في أحدية المبارك تقدم إليّ أحد الحضور وأراني بطاقة الأحوال ورجاني أن أتوسط له عندهم ليغيروا اسمه.
من هذا الحدث تشكيل لجنة دراسة الأسماء تتنامى الأحداث الأخرى، وتتعدد الشخصيات التي يحسن الكاتب المحافظة على بيان صفاتها، ويقدمها بمهارة فائقة، فهذا علي زميل سليمان ضُمّ إلى فريق الجامعة، وكان أخذ على زميله سليمان اسم (ناكر)، بل مضى إلى إدارة الأحوال مشتكيًا زميله لجنايته على ولده؛ ولكنه جوبه بصدّ قويّ تبين بعدُ أنّ علته فساد إداري، فالمسؤول قريب لسليمان، والفساد الإداري أحد العيوب التي عرضت لها الرواية. جمعت الدراسة بين نايف وألين إحدى أعضاء الفريق الأجنبي وأعجب كلاهما بالآخر، وهو إعجاب أفضى إلى الزواج الذي استغرقت الرواية تفصيلات إتمامه، وبسرد أحداث هذا اللقاء بيان لأثر الثقافة والاتصال العلمي والسياسي بالعالم الغربي؛ فألين ابنة القنصل السويسري، الذي كان يعمل في الرياض، وهو أمر هيأها لتعلم العربية وإتقانها ومعرفة المجتمع معرفة كافية، وهذا ما سهّل أمر تقبل الأسرتين الزواج.
كتبت الرواية بحبكة محكمة وجاءت متصلة الحلقات في ثلاثين فصلًا، لا تقرأ واحدًا حتى تسارع إلى تاليه، وجمع نسيج الرواية بين السرد والحوار جمعًا متوازنًا، فلا يجور بعضه على بعض سوى بعض تداخل نادر بينهما، ربما أجاء الكاتب إليه شدة رغبته في الوضوح، وهي رغبة يجدها القارئ في نزوع الكاتب إلى اللغة التقريرية، رغم المضمون الرومنسي؛ إذ لست تجد التطريزات البلاغية المجازية التي تجدها عند كاتبة مثل أحلام مستغانمي أو كاتب مثل محمد علوان، ولعل الثقافة الإدارية التي تظهر في الرواية لها تأثيرها، على أن الكاتب يظهر ثقافة أدبية وفنية عامة تأخذ مكانها في الرواية من غير إقحام أو افتعال، عرضت الرواية جملة من صفات الخير والشر وما يكون من أصحابها من أعمال خير أو ضير.
لغة الرواية واضحة سهلة متسمة بالسلامة اللغوية سوى بعض أخطاء يسيرة وأخرى أخطاء شائعة لعلها صارت من سمات لغة المعاصرين، كتجنبهم بناء الفعل للمجهول باستعمال الفعل (تمّ) مسندًا إلى مصدر الفعل، كما في قوله «وتم الاتفاق» ص203، وهو يريد واتُّفِق.
(دوم زين) رواية سعدت بقراءتها، وأراها جديرة بالقراءة والدعاء لصاحبها «عساك دوم زين».