د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بعد أن بلغت السوق العقارية ذروتها في 2014، بدأ الانخفاض الذي يأتي امتدادًا لما يشهده القطاع خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث بدأت حركة السوق تسير بشكل عكسي بالنزول المتتالي في قيمة وعدد الصفقات.
إذ ألقت رسوم الأراضي بظلالها على المشهد العقاري العام من ناحية القيمة والعرض والطلب، مدفوعة بالمستويات المنخفضة أيضًا في الطلب على القطاع التجاري منها الذي طالما نجا من الانخفاضات السوقية وظل حتى وقت متأخر محافظًا على مستويات جيدة مقارنة بالسكني الذي تتفاوت حركته اهتزازًا بشكل دوري.
إلى جانب رسوم الأراضي، أدى دخول وزارة الإسكان دورًا كبيرًا في الضغط نحو الاتجاه الصحيح عبر فرض التشريعات التقييدية ودخولها كمطور غير ربحي عبر برنامج سكني تحديدًا الذي ظل منتظمًا في دفعاته.
بعد موجة التضخم التي ضربت السوق خلال السنوات الأخيرة، هناك انخفاض مناسب للأسعار وبدأ بشكل تدريجي الانحسار وخصوصًا الأراضي التي تأثرت بشكل كبير، وهناك انخفاضات مقبلة في القيمة بعد أكبر سلسلة ارتفاعات شهدها القطاع العقاري السعودي، وما يحدث هو مسار تصحيحي للوضع العقاري.
تسعى الدولة نحو احتواء الأسعار وإعادتها إلى ما كانت عليه عبر سن التشريعات التي تدعو إلى ذلك، وتحاول الدولة ردم الفجوة بين قدرة المشتري وسعر البائع بطرق مختلفة من خلال خيارات تمويل حكومية وغير حكومية.
رغم انخفاض أسعار العقار منذ نهاية العام 2015 يرى البعض أنها لا زالت أكثر من قيمتها الحقيقية وغير ملاءمة لحال السوق والمعدلات الحقيقية للطلب المرتبط بالشراء حتى تكون في متناول الجميع.
رغم عدم ملاءمة الأسعار إلى حد كبير مع قدرات المشترين فإنه يسود التفاؤل نحو واقع جديد من الانخفاضات، فيما ستثري العمليات الحكومية بشكل كبير ميزان العرض الذي يعيش تناقصًا كبيرًا بالنسبة للطلب الذي يفوق قدرة الجميع.
هناك هاجس كبير لدى العقاريين عن مستقبل العقار مدعومًا بالعزوف الكبير، نظرًا إلى الفجوة الواسعة بين أسعار البائعين وقدرة صغار المشترين، إلا أن هذا الانخفاض يعتبر نجاحًا للخطوات الحكومية للسيطرة على الأسعار عبر سن القوانين الصارمة لتقنين القيمة التي عانت من التضخم خصوصًا خلال السنوات العشر الأخيرة.
السوق العقارية مترابطة إلى حد كبير بين أفرعها، لذلك نجد تأثير أي فرع على الآخر بشكل مباشر، ويتضح ذلك من الانخفاض الحاصل في قيمة الصفقات بالنسبة إلى القطاع التجاري الذي تأثر -بلا شك- نتيجة الضغوط على العقار السكني الذي يعاني من انخفاضات متتالية.
يتساءل البعض أين تسير السوق العقارية بعد مقاومة القطاع التجاري الذي يعتبر آخر الفروع التي تأثرت بما يحدث في العقار المحلي؟ لكن أي تصحيح في قيمتها سيلقي بظلاله بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي، باعتبار أن انخفاض قيمة العقار التجاري سيخفض تكاليف المشاريع العقارية وبالتالي نزول الأسعار، ما يعني أن القطاع العقاري في حالة تصحيح بقيادة الدولة عبر وزارة الإسكان وليس في حالة ضعف، وأن ذلك سينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد المحلي.