خالد بن حمد المالك
لم يكن لألمانيا مصلحة في افتعال الخلاف مع المملكة، وأن يكون موقفها غير الودي على نحو ما تحدث به وزير خارجيتها السابق، وما تلا ذلك من شحن غير مفهومة أهدافه وأسبابه للعلاقات السعودية - الألمانية، مما جعل المملكة وبعد شهور من الانتظار تتعامل مع السياسة الألمانية بما يحمي مصالحها، ويجنبها أضرار المواقف المستجدة التي تصدر تباعاً من العاصمة الألمانية.
* *
فإذا سلمنا بتمسكها بالاتفاق النووي برغم كل العيوب والثغرات والخلل فيه، وبرغم عدم التزام طهران بالتطبيق الكامل بما التزمت به، دون أي إخلال أو تحايل، مثلها مثل بقية الشركاء بعد انسحاب أمريكا منه، فإننا لا يمكن أن نسلم بالإشارات المربكة للعلاقات الثنائية التي تصدر من بعض المسؤولين الألمان، دون وجود موقف ألماني رسمي حازم يحمي العلاقات بين بلدينا من الإساءة إليها.
* *
إن أي علاقة ألمانية مع أي دولة، بما في ذلك العلاقات مع دولة تدعم الإرهاب على رؤوس الأشهاد كإيران، لا اعتراض من المملكة عليها، طالما أنها لا تمس مصالح المملكة، ولا تتآمر عليها، وطالما أن إيران لا تستفيد من اتفاقها النووي في توظيف نتائجه في المساس بمصالح بلادنا، ومثل ذلك أن تتعاون ألمانيا مع قطر، دون أن يكون هذا التعاون على حساب أمننا واستقرارنا، فلا اعتراض عليه هو الآخر.
* *
لكن أن يخرج هذا المسؤول الألماني أو ذاك، ويتحدث عن شؤون داخلية في بلادنا، بتدخل غير مقبول، ويزيد عليه باتهامات باطلة، كما فعل وزير الخارجية السابق زيجمار جابرييل، حين اتهم المملكة بادعاء باطل باحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وبتحميل المملكة مسؤولية الوضع الإنساني في اليمن، وكأنه بذلك يؤيد سياسة إيران وميليشيات الحوثي التي قامت بالانقلاب على الشرعية، ومارست القتل والتهجير بحق اليمنيين الأحرار، والاعتداء على أراضي المملكة بالصواريخ البالستية الإيرانية.
* *
أكبر خطأ ارتكبته ألمانيا، حين غفلت عن مصالحها بالمملكة، وتجاهلت عشرات الشركات التي تعمل فيها، ونسيت العلاقات التاريخية التي كانت تتسم بالود والتعاون والصداقة الحقيقية، إرضاء لنفر في الحكومة الألمانية لا يفكرون بمصالح بلادهم، بتفريطهم بالتعاون التجاري والاقتصادي والصناعي مع المملكة، الذي كان المستفيد الأول منه هي ألمانيا، ولا توجد مصلحة لألمانيا في دول أخرى بالمنطقة يماثل مصالحها بالمملكة، حتى تأخذ بهذا الاتجاه غير المبرر في العلاقات بين الرياض وبرلين.
* *
إن تسوية الخلافات بين الكبار تتم عادة بالطرق الدبلوماسية، وبالحوار المتوازن، وهو ما لم تفعله ألمانيا، مما اضطر المملكة لاستدعاء سفيرها منذ شهور للتشاور، ولاحقاً إعادة النظر في التعاون مع الشركات الألمانية، إذ لا يمكن أن نمد أيدينا تأكيداً على استمرار التعاون بمثل ما كان عليه، بينما تستمر ألمانيا في مواقفها دون أي تهدئة أو تراجع، أو اتخاذ إجراء يمنع هذا التصعيد في العلاقات.
* *
وكما أن ألمانيا تبحث عن مصالحها، فالمملكة هي الأخرى وجدت نفسها مضطرة للبحث عن خيارات وسياسات تمنع أن يكون التعاون من طرف واحد، وقد أظهرت جديتها وحزمها بعدم القبول بمواقف ألمانية يشم منها أن برلين ليست في وارد فهم ما تطالب به المملكة من تعامل ينسجم مع الموقف السعودي الذي تصدر عنه من الرياض إشارات ودية، بينما لا يعمل الألمان أي جهد للإبقاء على الحد المعقول في العلاقات الثنائية، تمهيداً لترميمها في المستقبل.