يواجه المرء في هذه الحياة مشاكل متعدّدة ومتفاوتة في قوتها وضعفها وجدها وهزلها وفي نوعها وشكلها سواء كانت عند أتفه الأسباب أو المسببات.. حيث أن الحياة الاجتماعية بشكل عام تقوم على أسس وقواعد وسنن ثابته تتمثل في بناء أيّ مجتمع كان مع مراعاة هذه القواعد والسنن.
- سلامة الصحة النفسية للأفراد.
- المحافظة على تنمية المجتمع السوي.
- احترام الكبير والصغير بحنان ولطف.
- احترام الصغير والكبير في تواضع وأدب.
- المحافظة على حقوق الأفراد معاً.
ونحن أمة مسلمة نتحلى بهذه الخصال الحميدة في حياتنا اليومية فالإسلام يعترف بالفوارق الفطرية والاجتماعية بين الصغار والكبار وبين الأبناء والآباء وبين الشباب والشيوخ وعندما تلتزم الأمة بهذه الخصال الحميدة لا تحدث فجوة بين هؤلاء. وعندما تفقد الأمة هذه الفوارق الٌتي ذكرتها آنفاً يدب بين أفرادها الخلاف والشقاق والحقد والحسد والبغضاء والتناحر والتنازع ويضيع الحق والعدل والمساواة والإنصاف في كافّة الأمور الدنيوية وليس أدل على ذلك من مجابهة الصامتين الساكتين الجاحدين عن قول الحق وعدم الاعتراف به مهما كانت الأسباب وللأسف الشديد أقولها على مضض وأرددها مراراً وتكراراً ان الخلافات الأسرية والانقسامات التي تحصل بين أفرادها بين الفينة تلو الفينه تحصل ضد من يكتب له النجاح والتفوق والعلو في شتى مجالات الحياة وما يجري أمامنا من قضايا اجتماعية معقدة بلا مبالاة تمر عليها السنون والأيام متسارعة أو متباطئة ونحن عبر هذه المقولة (في محلك سر أو مكانك راوح) وما إلى ذلك.. وهذا يؤثر في النفوس البشريّة والطبيعي أن هذا التأثر مؤقت ويزول بتغير الظروف الاجتماعيّة التي تمر على المرء في هذه الحياة تؤثر وتؤدي إلى الإصابة بالاضطراب النفسي.
فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد كثيراً من الآباء هداهم الله إلى الحق والصواب لا يعطون صاحب الحق حقه ولا ينصفون صاحب المال ماله وخاصة الأبناء الذين وقفوا معهم في أحلك الظروف وأصعبها مما يجعل الظلم والجحود متفشياً بين أفراد الأسرة الواحدة كثيراً.
والإسلام يدعو دائماً إلى العدل والمساواة والتعاون والترابط والتآلف وإنصاف الغير في حقوقهم مما يجعل أفراد المجتمع يعيش سعيداً ومستقراً بهذه الأسس المتينة التي تكفل للمرء حقه وكلما سار أفراد المجتمع على هذه الأسس ازدادوا اقتراباً وحباً وتآلفاً ومودّة ومحبة، وكلما ابتعدوا عن هذه الأسس ازدادوا تباعداً وتناحراً وحقداً وحسداً وضغينةً ولكن إيمان الأمة بنفسها وولائها لعقيدتها ستكون عنوناً لها على أن تستفيد من جميع الظروف الممنوحة لها دون عناء ومشقة، حيث إن الإسلام دين نظام يشكل ترابط الأمة فيما بينها على مداد السنين والأيّام.
وسيظل الظلم مصدر خطر دائماً على المرء ليس على الأسرة وحدها فقط ولكن على أفراد المجتمع كاملاً، حيث الانقسام والابتعاد والتخبط الفكري بكل ما يجعله من المظاهر والآثار السّلبية على الفرد والمجتمع كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}. وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النَّبي -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن ربه عزّ وجل ّ أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلّم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).. وعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم- قال: (اتقوا الظلُّم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة...) رواه مسلم.
وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم- قال: (من اقتطع حق امرىءٍ مسلم ٍ بيمينه فقد أوجب الله له النَّار، وحرم عليه الجنَّة).. فقال رجلٌ: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: (وإن قضيباً من أراك)) رواه مسلم.
ومن البديهي أن هذه الخلافات وهذه التهميشات وعدم الاعتراف بالحقوق الشرعية وغيرها لا يتحقق باعتراف أو توصيه بالغة أو دعوة إلى الحق من حسن الصياغة ودقة التركيب وإنما تصنعه إرادة عازمة تنبعث من القناعة وتنطلق من إيمان راسخ متين، في اعتراف بحقائق الأمور وتصبح في تلك الحالة سهله في مواجهه مقاصد كثيرة طال عليها الأمد لتصحيح أوضاع وخلافات قولية أو مادية تشوه مناخ الأسرة أو المجتمع الواحد.
حتى تصبح منسجمة مع ذلك الأساس ومتلائمة مع التفكير والعدل والمساواة وقد يخطر على بال الَّذين يتصيدون الجحود ويضعونه في كلمات وعبارات وصور من أفكارهم أنك على حق ويعطون الآخرين بما قاموا به من أعمال جّبارة دون محاسبة ومراعاة لحقوق الآخرين وإنما من إرادة نفسية وهمة ونشاط ذلك المرء الذاتي فهو بذلك العمل يهضم حقوق الناس.
من غرائب الأمور وأقبحها على الأطلاق أن نرى إنساناً يعمل ويكدح ويتعب ويشقى بكل ما أعطى من قوة ويجحد في نهاية المطاف أن كافَّة أبواب الجحود ونكران الجميل تقف سداً منيعاً في إعطاء حق هذا المرء الذي بذل الغالي والنفيس لماذا؟.. لماذا؟.. لأنه أصبح يطالب بحقه الشرعي ويطالب بما كتبه الله له من صاحب الشأن وفي فترة من الوقت أصبح خالي اليدين.
حقق الله الآمال وبارك الأعمال وأجزل -من لدنه- ثواباً حسناً للعالمين المخلصين.