في القمة العربية المنعقدة في بيروت، عام 2002م قدمت المملكة العربية السعودية، مبادرتها التاريخية لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وهي رؤية بنيت على حلول معقولة، وممكنة لقضية الشرق الأوسط، الأكثر تعقيدًا، وتحدياً على الإطلاق، وقد تبنت المبادرة، جميع الدول العربية، لتعرف لاحقاً بمبادرة السلام العربية.
السياسة كما توصف هي، فن الممكن، وليس فن المستحيل!
فمنذ قيام دولة إسرائيل، عام 48 تعامل العرب مع القضية، بارتجالية بالغة، وعواطف ملتهبة، غاب في طياتها، التفكير العلمي، والموضوعية المطلوبة، فضلاً عن إدراك الظرف الدولي، الذي نشأ عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
فقد نشأ عالم جديد، تغيرت فيه التحالفات، والمحاور القديمة، ونشأت أخرى جديدة، وتراجعت فيه قوى عالمية، وتقدمت أخرى.
لقد أصدرت الأمم المتحدة، قرار التقسيم التاريخي، لفلسطين وأُعطي فيه العرب، ما يقارب 42 % من الأراضي الفلسطينية، إلا أن المزاج العام، والعقلية العربية حينئذ، لم تكن تعي بعد، أهمية هذه القرارات الدولية، وتم رفض القرار، وأُعلنت الحرب الشاملة، على إسرائيل، وكانت الأحداث اللاحقة، كارثية بكل المقاييس، فقد خسر العرب الحرب، وفقدوا كل فلسطين، عدا الضفة وغزة.
واستمرت نفس طريقة التفكير العربية القديمة، ولم يستفد العرب، مرة أخرى من درس 48، وقرروا دخول حرب أخرى، ضد إسرائيل، ليخسروا هذه المرة كل فلسطين التاريخية!
لقد فرضت القوة، التي أرادها العرب، ولم يكونوا يملكونها، واقعاً جديداً، لم يستطع العرب حتى اليوم، معالجته، أو التعاطي معه كما ينبغي.
وحين دعا، الرئيس التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة، لاحقاً، إلى قبول قرار التقسيم، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، باعتباره القرار الذي تبناه العالم، وليس في مقدور العرب، مواجهة كل أمم الأرض، رمي بكل أوصاف الخيانة، والغدر، وبيع القضية، والتنصل من المسؤولية، رغم أن دعوته، هي ما يبكي عليها العرب اليوم!
المملكة العربية السعودية، قدمت رؤية جديدة، وعقلانية، حظيت بقبول إسلامي، ودولي، فيما عرف، بمبادرة السلام العربية، وتنص على إقامة دولة فلسطينية، معترف بها دولياً على حدود 67، وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها.
إلا أن إسرائيل لم تتعامل حتى هذه اللحظة، بالجدية المطلوبة مع المبادرة، وإن كانت قد وضعت أساساً متينا، وخارطة لأي حل مستقبلي للمشكلة، لتظل الكرة، حتى هذه اللحظة في ملعب إلاسرائيلين.
على صانعي القرار في تل أبيب اليوم، الاستفادة من أخطاء الأمس، التي وقع فيها العرب، والتي لم يقرأوا فيها الواقع كما يجب.
فحالة اللا سلم، واللا حرب، والقرار الخاطئ بنقل السفارة إلى القدس، -أجمع العالم على إنكاره- واستمرار قمع الشعب الفلسطيني، سيفضي لا محالة إلى حروب ونزاعات جديدة أكثر تعقيداً وأكثر حدة.
إن طريقة التفكير الإسرائيلية القديمة، يجب أن تتغير، ويجب أن يتغير معها فكر القادة الإستراتيجيين في تل أبيب، فالفلسطينيون اليوم، أضحوا قنبلة ديمغرافية هائلة، وناهز عددهم داخل إسرائيل وفي الضفة، والقطلع، مجمل عدد اليهود في كامل فلسطين التاريخية، فضلاً عن ملايين اللاجئين القابعين على الحدود.
هذا الواقع وحده، كفيل بأن تراجع إسرائيل كل سياساتها، وبرامجها المستقلبية.
إنه متغير جديد، لم يدر بخلد المنظرين، والقادة الإسرائليين، عند إنشاء دولتهم، وتهجير سكانها العرب.
لقد صرح بن غوريون عشية قيام الدولة العبرية، أن حدود هذه الدولة، سيكون عند آخر جندي إسرائيلي يقف، إلا أن هذه المقولة، تبدو في غاية السخف اليوم.
إنه وبحسب حركة التاريخ، فالظروف الدولية دائمة التغير، والتبدل، وليس شرطا أن، تكون في كل مرة، في صالح إسرائيل.
فهل تتعامل إسرائيل بواقعية أكثر مع الوضع الجديد؟
s88ksa88@gmail.com