تترأس الحكومات إدارة المجتمعات وتأخذها نحو النماء والتطور وترعى مصالحها وتحمي أمنها واستقرارها، وتشكل أجهزتها الخدمية لسان تعاملها وسلوك معاملاتها مع الفرد والجمع من مواطنيها، وهنا تظهر أهمية وحيوية وسطوة هذا التعامل والسلوك وقدرته في خلق بيئة قابلة للنمو والتطور بيسر وسهوله من عدمها.
صحيح أن ليس كل الخدمات مناطة بأجهزة الحكومة ولكن تبقى هذه الأجهزة في بعض الأحيان فاعله وأحيان أخرى مراقبة وموجهه في عملية مترابطة ومستمرة هي أداة النمو والتطور ويحكم مسار هذا النمو والتطور سرعة وبطء مدى النجاح من عدمه، النجاح الذي يظهر بشكل فعلي ويغير حالة الواقع إلى الأفضل أو تكدس المشاكل وتضخمها الذي يبين سوء الإدارة وفشلها.
لدينا في الواقع كثير من المشاكل المصاحبة لنا منذ عقود والتي تضخمت وباتت صعوبة حلحلتها مشكلة بحد ذاتها، مثال ذلك البطالة وشح السكن وقلّة الإنتاج الزراعي وتقليدية الصناعات وتراكم الأخطاء التنظيمية في الصحة والقضاء والشرطة والمرور ومنافذ الفرص التجارية وإدارة المعاملات البنكية والحقوقية وأمور أخرى كثيرة، وان كان وجود هذه المشاكل أو القضايا من الأمور الطبيعية في كل مجتمع ودولة إلا أن نسب الحضور والبروز تختلف بين الدول حسب قدرة المعالجة والتصحيح وجودته .
من حسن الطالع وباعث الأمل والتفاؤل أن يمن الله علينا في هذه البلاد بقيادة واعية متفهمة حريصة بكل جهدها على تصحيح الخلل ومعالجة القصور وخلق الفرص للنجاح حتى صار الجميع متشبع بحتمية تحسين الحال إلى الأفضل من خلال ملامسة المشاكل والقضايا بشكل جدي ومدروس وفعال فظهرت خطط التغيير في رؤية سمو ولي العهد بشكل منظم ومؤرخ وصرنا كمواطنين نلمس فعليا حركة التغيير والشيء الجديد إن الكل مؤمن بجدية الاتجاه هذه المرة.
لكن لازال هناك بقية مترسبة من الفجوة في التعامل والسلوك من قبل الأجهزة الخدمية سواء المباشرة منها أو المضمنة في رقابتها وإدارتها الذي أربك وأفشل الجهود السابقة والمتتالية في معالجة المشاكل والقضايا التنموية والاجتماعية وأخشى أن تبقى وتستمر أو أن يترك معالجتها للزمن.
إن ما أعنيه هو جودة التعامل بين أجهزة الخدمة والفرد المواطن، فليس هناك جهة تضبط وتحكم هذا السلوك والتعامل بين الطرفين بشكل محايد وعادل برغم وجود مؤسسات الرقابة والمحاسبة والتشريع إلا أنها بكل أسف تعاني من نفس القصور في التعامل والسلوك مع المواطن حالها كحال باقي الأجهزة الخدمية فهي في النهاية منظومة واحدة تشكل جانب والمواطن في جانب آخر بمعنى طرف خادم وطرف مخدوم لكن الخلل يكمن في غياب صوت المخدوم الذي يلمس قصور الخدمة ولا يجد الفرص الطبيعية لتقديم تقييمه ومدى قبوله ورضاه ناهيك عن الغبن الذي قد يستشعره في بعض النظم والإجراءات تلك التي تصاغ بشكل نظري في بعض الأحيان مايجعلها غير قادرة على تحقيق الأهداف المستوحاة على أرض الواقع.
ولتوضيح الصورة فإن «بعض» شروط وتقنين كثير من الخدمات يصاغ بشكل يفرغ الخدمة المقدمة لمعالجة وضع معين من تحقيق الأهداف المرجوة عن طريق تقليص فرص الاستفادة قدر الإمكان باعتبار ذلك من جودة الشروط والحرص والتحوط المبالغ فيه الأمر الذي يجعل فشل الجهود في معالجة القضايا نتيجة طبيعية، هذا سيبقى ولن يتغير ما لم يتغير التعامل والسلوك بين الخادم والمخدوم من خلال تقديم الثقة والاحترام قبل الاحتراز والحذر المبالغ فيه.