حمّاد السالمي
* من منكم يتذكر رمضان زمان؛ حين كانت الأسر تتحلق حول المذياع بعد أداء صلاة المغرب، ومن بعده التلفاز بالأبيض والأسود..؟ كانت فترة ما بين العشائين للمرح والضحك، ولكن مع أدب راق، وطرائف غريبة عجيبة، لها أبطالها في تاريخ العرب مثل: أبو نواس، وأشعب، وأبو دلامة، وجحا. إلى أن ظهر حديجان وأم حديجان في كوميديا ضاحكة وهادفة في الوقت نفسه.
* تذكرت تلك الأيام الخوالي؛ بعد أن تسمرت أمام التلفزة عدة ليال، فما وجدت لها طلاوة ولا حلاوة. فصرت أردد بعد كل (تسميرة) قولهم: (زمان أول أحلى).
* دعونا نتسلى كتابيًا مع طرائف زمان؛ التي أضحت اليوم مهجورة، وذلك قبل أن نودع شهرنا الفضيل ويودعنا. هذه بقايا من طرائف ضاحكة؛ مما كنا نخص به أنفسنا في ليالي رمضان زمان.
* كان أحد الفقراء يسكن في بيت قديم، وكان يسمع لسقفه قرقعة مستمرة لأية حركة، فلما جاء صاحب المنزل قال له الساكن: أصلح الله حالك. فأجابه صاحب المنزل: لا تخف، إن السقف صائم يسبح ربه. فقال الساكن: أخشى بعد الإفطار أن يطيل السجود وهو يصلي القيام، فلا يقوم ولا أقوم..!
* كان أشعب أشد الناس طمعاً، فدخل على أحد الولاة في أول يوم من رمضان يطلب الإفطار، وجاءت المائدة وعليها جدي، فأمعن فيه أشعب حتى ضاق الوالي، وأراد الانتقام من أشعب فقال له: اسمع يا أشعب؛ إن أهل السجن سألوني أن أرسل إليهم من يصلي بهم في شهر رمضان، فامض إليهم وصل بهم, واغنم الثواب في هذا الشهر، فقال أشعب وقد فطن إلى غرض الوالي منه: أيها الوالي؛ لو أعفيتني من هذا نظير أن أحلف لك بالطلاق والعتاق؛ إني لا آكل لحم الجدي ما عشت أبداً. فضحك الوالي..!
* دخل أحد الحمقى على أحد الخلفاء في إحدى الليالي الرمضانية وهو يأكل، فدعاه ليأكل فقال، إني صائم يا أمير المؤمنين. فسأله: هل تصل النهار بالليل..؟ فأجابه: لا، ولكني وجدت صيام الليل أسهل من صيام النهار، وحلاوة الطعام في النهار أفضل من حلاوته في الليل..!
* قيل لبعض الحمقى: كيف صمتم في رمضان..؟ فأجابوا: اجتمعنا ثلاثين رجلاً فصمناه يوماً واحدًا..!
* من الأشعار التي قيلت في ذم بخلاء الصائمين قول الشاعر:
أتيت عمرًا سحرًا فقال: إني صائم
فقلت: إني قاعد فقال: إني قائم
فقلت آتيك غدًا فقال: صومي دائم..!
* ومن ذلك؛ ما قال أبو نواس يهجو الفضل قائلاً:
رأيت الفضل مكتئبـًا
يناغي الخبز والسمكا
فأسبل دمعة لما رآني قادمًا وبكى
فلما أن حلفت له بأني صائم ضحكا..!
* دخل شاعر على رجل بخيل، فامتقع وجه البخيل، وظهر عليه القلق والاضطراب، ووقع في نفسه؛ إن أكل الشاعر من طعامه فإنه سيهجوه. غير أن الشاعر انتبه إلى ما أصاب الرجل، فترفق بحاله، ولم يطعم من طعامه، ومضى عنه وهو يقول:
تغير إذ دخلت عليه حتى
فطنت .. فقلت في عرض المقال
عليَّ اليوم نذر من صيام
فأشرق وجهه مثل الهلال..!
* أخذ الناس رجلًا قد أفطر في شهر رمضان إلى الوالي، فقال الوالي: يا عدو الله. أتفطر في شهر رمضان..؟ قال الرجل: أنت أمرتني بذلك..! قال الوالي: هذا شر. كيف أمرتك..؟ قال الرجل: حدثت عن ابن عباس؛ أنه من صام يوم عرفة عدل صومه سنة كاملة. وقد صمته، فكأني صمت كل رمضان, فضحك الوالي وأخلى سبيله..!
* كان أبو دلامة بين يدي المنصور واقفًا، فقال له: سلني حاجتك، فقال: كلب أتصيد به، قال: أعطوه كلبًا. قال: ودابة أتصيد عليها، قال: أعطوه دابة، قال: وغلام يصيد بالكلب ويقوده، قال: أعطوه غلامًا. قال: وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا منه، قال: أعطوه جارية، قال: هؤلاء يا أمير المؤمنين عبيدك، فلا بد من دار يسكنونها. قال: أعطوه دارًا تجمعهم. قال: فإن لم تكن لهم ضيعة؛ فمن أين يعيشون..؟ قال: أعطيتك مائة جريب عامرة، ومائة جريب غامرة. قال: وما الغامرة..؟ قال: ما لا نبات فيها. فقال: قد أقطعتك أنا يا أمير المؤمنين خمسمئة ألف جريب غامرة في فيافي بني أسد. فضحك المنصور وقال: اجعلوها كلها عامرة. قال: فأذن لي أن أقبل يدك. قال: أما هذه فدعها. قال: والله ما منعت عيالي شيئًا أقل ضررًا عليهم منها..!
* صلى أعرابي مع قوم؛ فقرأ الإمام: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا}. فقال الأعرابي: أهلكك الله وحدك. ما ذنب الذين معك..؟ فقطع القوم الصلاة من شدة الضحك..!
* جلس أشعب عند رجل ليتناول الطعام معه، ولكن الرجل لم يكن يريد ذلك فقال: إن الدجاج المعدّ للطعام بارد، ويجب أن يسخن. فقام وسخنه، وتركه فترة فقام وسخّنه. وتركه فترة فبرد فقام مرة أخرى وسخّنه. وكرر هذا العمل عدة مرات؛ لعل أشعب يملّ ويترك البيت. فقال له أشعب: أرى دجاجك وكأنه آل فرعون؛ يعرضون على النار غدوًا وعشيًا..!
* جاء رجل إلى فقيه فقال: أفطرت يوماً في رمضان. فقال: أقض يوماً مكانه. قال: قضيت وأتيت أهلي وقد عملوا مأمونية- نوع من الحلوى- فسبقتني يدي إليها فأكلت منها. فقال: اقض يوماً آخر مكانه، قال: قضيت وأتيت أهلي وقد عملوا هريسة، فسبقتني يدي إليها. فقال: أرى أن لا تصوم إلا ويدك مربوطة..!